يوسف عبد المنان

حديث الجامعة


حتى اليوم عند الكثير من السودانيين الجامعة هي الجميلة المستحيلة أي جامعة “الخرطوم”، وما عداها جامعات ليست في قامتها ولا بريقها، وصيتها واسمها الكبير.. حتى أن الطالب الذي يتم قبوله لأول مرة بجامعة الخرطوم (يعيش النشوة) وينتابه إحساس بالزهو والفخر مثل المهندس “الأمين أبو” أحد أذكى السودانيين.. كان متفوقاً على زملائه ويوم تخرجه في جامعة الخرطوم ولحظة استلام شهادته انتابه إحساس بالتميز والزهو ومشى على الأرض مشية يبغضها الله.. و”الأمين أبو” ردع نفسه وعاقبها وقرر تجميد مشروع حلمه بالدخول لباب الوظيفة حتى يكفر عن أخطاء مشيته يوم تخرجه في الجامعة، فذهب لخلاوى جبل أولياء وعكف على قراءة القرآن حتى أصبح من الحافظين.
وجامعة الخرطوم اليوم تطل على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي ويثور حولها جدل في الأسافير ووسائل التواصل الاجتماعي والصحافة.. هل ستبقى كما كانت أم تنتقل إلى سوبا جنوب الخرطوم وتصدق تصريحات ممثل جماعة أنصار السنة في الحكومة “محمد أبو زيد” بوضع وزارة السياحة يدها وأقدامها على مباني جامعة الخرطوم الحالية لتصبح مزارات سياحية؟؟.. وتعددت الروايات بعد تصريحات مدير الجامعة في لقائه بالنائب “حسبو محمد عبد الرحمن”.. ولكن الحقيقة سيكشف عنها اجتماع يعقد اليوم لمجلس جامعة الخرطوم برئاسة البروفيسور “الأمين دفع الله” رئيس المجلس.. والاجتماع خصص لمناقشة أوضاع الجامعة.. وهو الجهة الوحيدة المخول لها قانوناً التقرير بشأن بقاء الكليات في مواقعها الحالية أو انتقالها لموقع آخر.. وبذلك يخطف اجتماع مجلس الجامعة اليوم الأضواء حتى عن اجتماع مجلس الوزراء الدوري كل (خميس).. وينتظر أن يعلن من بعده عن شيء مما يجري في دارفور من استفتاء انتهى (أمس) وفاز خيار بقاء دارفور على حالها.. ولم يربح دعاة الإقليم الواحد إلا أصواتاً قليلة واحتراماً من الناس لدكتور “تيجاني سيسي” على ثباته حينما فزع وجزع آخرون كانوا يشاطرونه رؤية عودة دارفور للإقليم الواحد.. ومجلس الوزراء نفسه سينتظر أخبار مجلس جامعة الخرطوم الذي يثق رئيسه البروفيسور “الأمين دفع الله” بأن الجامعة ستبقى في موقعها وانتقال كلية أو كليتين إلى موقع آخر بولاية “الخرطوم” لا يعني بأية حال بيع تلك البنايات التاريخية لمستثمرين مهما دفعوا من مال.. وينفي “دفع الله” وجود أي اتجاه لبيع مباني الجامعة.
وفكرة البيع تتعارض مع ما ذهب إليه وزير السياحة “محمد أبو زيد مصطفى” باعتبار مباني الجامعة قد صنفت من المباني الأثرية مثل المالية والبريد والبرق والقصر الجمهوري.. وتصنيف هذه المباني كجزء من الآثار يحميها حتى من الهدم وتغيير ملامحها إلا بعد موافقة الآثار واليونسكو.. ويقول وكيل المالية “حولي” وهو من المهتمين جداً بجامعة الخرطوم.. إن وزارة المالية التي انتقلت الآن إلى العمارة الواقعة غرب البريد والبرق.. يتم صيانة مبانيها بإشراف مباشر من علماء الآثار حتى لا تنطمس ملامح الوزارة والمبنى التاريخي العتيق، وإذا كانت تلك هي المالية.. فكيف الحال بجامعة الخرطوم التي لا تستطيع إدارتها اليوم تغيير نوافذ المباني الأثرية إلا بإشراف جهات أخرى هي الآثار.. وبالتالي لا تستطيع جهة أو سلطة أن تبيع مباني الجامعة لمستثمر أجنبي حتى لو كان ملكاً خليجياً!!
وينتظر خريجو جامعة الخرطوم والمرتبطون بها عاطفياً ووجدانياً والعشاق والمحبون والمشجعون من مجلس الجامعة اليوم بياناً فصلاً واضحاً (لا يلتبس) على الناس حتى لا تصبح هذه الجامعة العريقة نهباً للشائعات ويستخدم اسمها لتصفية حسابات المعارضين مع الحاكمين!!