تحقيقات وتقارير

حلفا تايتنك السودانية


مهدي الشيخ مهدي
أوردت مراسلة صحيفة (اليوم التالي) من القاهرة بتاريخ 5/4/2016م مقالاً ذكرت فيه عدة مواضيع، ومن بينها عنوان جانبي بعنوان (تصريحان مهمان)، وكان أحد التصريحين بأنه قبل أيام صرح مسؤول بوزارة الموارد المائية والكهرباء يقول فيه: “إن السد العالي سيفقد قيمته ويصبح (حيطة) وطالب بأهمية الاتفاق مع إثيوبيا، مؤكداً أن سد النهضة الإثيوبي سوف يحول التخزين الاستراتيجي من أمام مصر إلى السودان”.
ورنا خيالي نحو السد العالي إلى ما وراء (الحيطة) لأن مياه البحيرة سوف تصبح بركة، وبما أن مياه السد قد غمرت مدينة حلفا تماماً ومعها نحو 27 قرية، تخيلت مدينة حلفا وقد انحسر عنها الماء، وقد ظهرت حلفا إلى الوجود مرة أخرى بعد غياب دام عشرات السنين، حيث ودعها أهلها بالدمع السخين، وأورد هنا ما ذكره الأستاذ الإداري حسن دفع الله أيام حكومة عبود عندما زار الرئيس عبود مدينة حلفا، والتقى بحشود المواطنين، وبخطى ثابتة تقدم الرئيس عبود إلى المايكرفون وكان يضع نظارة سوداء على عيونه، وكان وجهه الوقور هادئاً، غير أنه تبدو عليه مسحة من الحزن، فأثنى على المواطنين لاستقبالهم له وعند محاولة الحديث عن المقصد تغلبت عليه عواطفه، فقال في صوت متقطع: عندما كنت في الخرطوم كنت أحس بأن هذا الحدث قد سبب صدمة قاسية عليكم، فرأيت أن أحضر وأقف بجانبكم في هذه اللحظات الحرجة، ولكن عندما رأيتكم اليوم وجدت فيكم روحاً معنوية عالية تفوق روحنا المعنوية.
وفي هذه اللحظة اختفى صوته لعدة ثوانٍ، وشوهدت دموعه تسقط خلف نظارته. فهل يا ترى بعد أن ينحسر الماء عنها ستعود المآذن شامخة كما كانت، وتظهر هامات الكنائس والمعابد الفرعونية؟ أم يا ترى أصبحت حطاماً وهل تتذكر حلفا وجوه أبنائها الذين رحلوا عنها وهم صبية، والآن قد اشتعلت رؤوسهم شيباً وترك الزمن بصماته على جباههم السمراء؟ وهل تفتح لهم حلفا أحضانها مرة أخرى بعد أن هجروها كل تلك السنوات؟ إنه قلب الأم فالقلب الذي يحب بصدق لا يعرف الكراهية.. يقول الشاعر:
قد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
ويقول شاعر آخر:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل
وهل أبناء حلفا إذا أتوا إليها سيعرفونها بعد غياب طويل مرير؟ وهل يتذكرون منازلهم ومراتع الصبا وأماني الشباب؟ أم يجدون أنفسهم غرباء فيها وقد أحالت الأسماك والسلاحف منازلهم إلى سكن لها، وذلك بوضع اليد وإن الطحالب قد لونت جدران منازلهم، فيتشابه عليهم البقر..
وهل تعود مرة أخرى أشجار النخيل وحقول القمح الخضراء وهل تميل سنابل القمح تارة شمالاً ومرة يميناً عندما يداعبها نسيم الفجر؟ إنها لحظات قد لا يستوعبها عقل الإنسان.. ومن كان يتخيل بعد تلك الفرقة الطويلة والسد العالي يصبح (حيطة) أن تدب الحياة مرة أخرى في أوصال حلفا، ففي الماضي سالت دموع الرئيس عبود حزناً على وأدها وهي (حية)، والآن سوف تسيل دموع أبنائها فرحاً ويعيدون مجدها القديم في ثوب حديث، وهكذا حال الدنيا، وقد ذكر ذلك أحد الشعراء في الأبيات الآتية:
رأيت الدهر مختلفاً يدور
لا حزناً فيه يدوم ولا سرور
قد بنت الملوك فيه قصوراً
فلم يبقى الملوك ولا القصور

اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. اه ياحلفا كم احن الييك ياحلفا مدينتي مرتع اجدادي
    كم احبك يابلدي