منوعات

دارسة جديدة عن تأثير الحمل على جسم الرجل


هناك اتفاق عام على أن الحمل والولادة والعناية بالصغار هي شؤون أنثوية، لكن نظرة متعمقة في عالم الأحياء تقول إن الأمر ليس بالضرورة كذلك، ففى أنواع كثيرة من أسماك «حصان البحر» مثلا، يضطلع الذكر بمهمة الحمل والولادة.

وفى أسماك أخرى يحمل الأب البيض في فمه، ويمضى مثقل الرأس، صائما عن ملذات الدنيا، إلى أن يكتمل النمو الجنينى لصغاره فتغادر فمه. وفى معظم الطيور يتقاسم الأب والأم أعباء الرقاد على البيض وتغذية الصغار فَمًا لِفَم. وفى قردة المارموسيت يبلغ وزن المولود ربع وزن الأم تقريبا (تصور امرأة وزنها 60 كيلوجراما تضع مولودا يزن 15 كيلوجراما).

ولهذا فإن الأب يتسلم الرضيع من الأم المنهكة لحظة ولادته، فيجفف له جلده ثم يحمله على ظهره أينما ذهب، ويتكفل بكل احتياجاته، ولا يعيده للأم إلا في نوبات قصيرة للرضاعة.

وفى البشر يظهر أن جسم المرأة يتحمل وحده تبعات الحمل، بينما يبدو جسم الرجل بمنأى عن أي تأثير. لكن العلم يقدم أدلة على خطأ هذا الاعتقاد المستقر في أذهاننا.

لقد بدأ الاهتمام العلمى بالتغيرات البدنية التي تعترى الرجال بسبب تغير الحالة الاجتماعية عندما اكتشف العلماء أن مستوى هرمون التستوستيرون في الرجال المتزوجين يقل كثيرا عن مستواه في المطلقين وغير المتزوجين.

وفى دراسة استمرت عشر سنوات، وشملت نحو ألفى مجند بالجيش الأمريكى، قيس تركيز التستوستيرون في دماء رجال غير متزوجين، ثم أعيد القياس في نفس الأشخاص بعد أن تزوجوا، فتبين أن الهرمون ينقص بشكل ملحوظ عقب الزواج. يفسر العلماء ذلك بأن هرمون التستوستيرون، والمعروف باسم هرمون الذكورة، لأن إفرازه في الرجال يتم بمعدلات تفوق كثيرا إفرازه في النساء، يرتبط بالعدوانية والرغبة الجنسية عند الرجال. ولهذا فإن ارتفاع تركيز الهرمون قبل الزواج يشجع التنافس بين الرجال على الفوز بشريكة الحياة، ويحفزهم على الإسراع بالزواج، أما بعد الزواج فتتبدل الأولويات، ويصبح الاعتناء بالأسرة أجدر بالرجل من البحث مجددا عن عروس، ولهذا ينخفض تركيز التستوستيرون، ومع هذا الانخفاض تنخفض عدوانية الرجل، وترق طباعه، ويكتسب مشاعر الرفق بعائلته. وعندما عرف العلماء أن لعاب الإنسان يحتوى على بعض الهرمونات بنسب تعكس مستوياتها في الدم، لم تعد دراسة الهرمونات تتطلب سحب عينات من الدم، فتسارعت الاكتشافات، والتى كان أبرزها أن مستوى التستوستيرون في لعاب الأزواج بعد استقبال مولودهم الأول يقل كثيرا عن تركيزه في لعاب الأزواج الذين لم ينجبوا، كما أن تركيز الهرمون في الآباء الذين يقضون بضع ساعات يوميا في رعاية صغيرهم يقل عما يوجد في الآباء الذين لا يصاحبون صغيرهم سوى بضع دقائق في اليوم. وفى الأب الذي ينام بجوار رضيعه يقل الهرمون عن مستواه في الآباء الذين لا يشاركون رضيعهم فراش النوم.

خلاصة ما عرفناه إذن من البحوث السابقة أن تركيز هرمون التستوستيرون في دم الرجل يكون مرتفعا قبل الزواج، ثم ينخفض بعد الزواج، ثم ينخفض ثانية عند الإنجاب، ثم ينخفض مرة ثالثة عندما ينفق وقتا في رعاية مولوده، أو عندما ينام بجوار طفله. ليس الرجل إذن منيعا ضد التأثيرات البيولوجية للزواج والأبوة، ولكن ماذا عن تأثير الحمل؟ في بحث أجراه علماء أمريكيون بجامعة ميشيجان، ونشر العام الماضى، تم قياس تركيز بعض الهرمونات في لعاب عدد من الأزواج في توقيتات مختلفة أثناء فترة الحمل الأول لزوجاتهم (الأسابيع 12، 20، 28، 36)، فوجد أن مستويات هرمونى التستوستيرون والكورتيزول في جسم الزوج تقل بعد بضعة أسابيع من حدوث الحمل، وتستمر في التناقص حتى نهاية الحمل، وهو ما يعنى أن التغييرات الفسيولوجية المصاحبة للحمل ليست مقصورة على الزوجة، بل تمتد آثارُها إلى زوجها. وهكذا يبدو أن الحمل، مثلما يغير جسم الزوجة لتهيئتها للولادة والرضاعة، يغير أيضا جسم الزوج لتأهيله بيولوجيا لرعاية صغيره القادم. وبينما ينتظر بعض العلماء مزيدا من التأكيد لنتائج هذا البحث، يفكر بعضهم الآخر في دراسة ما إذا كان ذلك الحوار البيولوجى الصامت بين جسمى الزوجين يمكن أن يتأثر بمقدار الارتباط العاطفى بينهما، أو بكون زواجهما تم تقليديا أو كان تتويجا لقصة حب.

المصري اليوم