تحقيقات وتقارير

كيف مات الترابي؟


بعد رحيل الشيخ د. حسن عبد الله الترابي فتح الكُتّاب والمحللون أبواباً من الأسئلة حول رحيله، مشيرين لوجود أسباب وراء الرحيل المفاجئ.. وعلى ذات الطريقة شرعت مواقع التواصل الاجتماعي بنسج خيوط وتكيل وتوزع اتهامات كأنما موته إما بفعل فاعل أو إهمال، ولم ينجُ من الاتهام المقربون منه حين ألمحوا إلى أن صحة الشيخ تستدعي الراحة الكافية بعيداً عن رهق السياسة، خاصة وأن بوادر الأزمة الصحية بدأت في مكتبه، لذلك كان لا بد أن نتحرك لنقف على الحقائق.

تحقيق: زكية الترابي

حكايات سابقة
بالنظر إلى عائلة الشيخ حسن الترابي اكتشفنا أن عدداً كبيراً منهم غادر الفانية بغتةً، فقد سبق أن توفي الشابان عمر ومحمد أبناء الخليفة أبوعاقلة الترابي، فالأول رحل وهو يركض أثناء مباراة لكرة القدم وسط دهشة زملائه، أما الثاني فارق الحياة بعد أن صلى صلاة عيد الفطر الماضي، والثالث شقيق الشيخ المهندس عبدالحليم والذي انتقل إلى جوار ربه في صباح اليوم العشرين من شهر رمضان المعظم بطريقة مفاجئة، كما فجعت القرية بالرحيل الرابع لابنها علي دفع الله أحمد الذي وافته المنية في إحدى المركبات وهو في طريق العودة من الخرطوم للقرية، بجانب حكايات كثيرة على ذات الطريقة.
أصل الحكاية
بدأت تحوم حول حكاية وفاة الترابي المفاجئة التي شغلت كل العالم، الشكوك والاتهامات بالإهمال والتفريط في صحة الشيخ.. لا سيما وأن البعض أشار بأصابع الاتهام لقيادات حزبه.. لكن المسألة في نهاية الأمر لا تعدو كونها مجرد استنتاجات أو ربما مؤامرة دبرها خصوم المؤتمر الشعبي لإثارة الغبار حول وفاته المفاجئة، للوقيعة بين قيادات الحزب والأسرة، فكتب البعض ملوحاً إلى إمكانية تقصير تلاميذ الشيخ في المحافظة على صحته.. لكن الواقع يعكس أمراً مختلفاً.. فقد جلست إلى عدد من قادة الحزب وبعض من أفراد العائلة ثم جمعت معلومات نادرة عن صحة الشيخ من مصادر مقربة منه.
مصادر مقربة
نفت مصادر مقربة الرواية الشائعة عن رفض الترابي إجراء عملية قلب بعد نصح أطباء من دولة قطر بذلك.. وقال مصدر تفاجأت بالرواية وهي تدور بين مجموعات خدمة المراسلة (واتساب) ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي لا تعلم من دس السم في هذه المواقع قبل أن تختفي آثار نعل من واروا جثمانه الثرى بمقابر بري، حيث انطلقت الشائعة كالنار في الهشيم في وقت تبكيه بناته بحرقة بمنزله بالمنشية، وقبل أن تنقطع الوفود الزائرة المعزية من جميع أنحاء العالم، إذن ليس صحيحاً أن الترابي رفض إجراء هذه العملية المزعومة.. ولكن ما هي تفاصيل قصة مرضه الأولى.
رواية من قطر
حسب رواية أحد المقربين والذي فضّل حجب اسمه، أشار إلى مغادرة الدكتور حسن في نوفمبر الماضي إلى قطر لإجراء فحوصات روتينية اكتشف من خلالها إصابته بمرض القلب، علماً بأن الشيخ في الأصل كان يعاني من مرض ارتفاع الضغط ويتناول عقاقير طبية بصورة مستمرة، ورغم ذلك لم يمنعه مرض الضغط المزمن من ممارسة حياته العادية وكان يذهب إلى مكتبه بالمركز العام يومياً دون انقطاع عدا حالات نادرة.. بالطبع ليس من بينها المرض، فالترابي كما يقول المصدر يتمتع بقوة عالية من التحمل والصبر ومصارعة الألم مهما كانت وطأته وشدته، فكان يلاطف أحفاده طيلة اليوم لا سيما الأطفال منهم، وهذه الرواية تهزم فكرة المروجين لحكاية الإهمال، فالرجل من عظمته وشدة تحمله كان يتمنى أن يكون داخل السجن رغم مرضه حتى يتفرغ لإعمال فكره وتأليف كتب الدين والسياسة، ويرى أن غياهب السجن أحب إليه من تقييد حركته الفكرية بسبب التزاماته الاجتماعية.
موت متوقع
وبدأت قصته مع مرض القلب حسبما تقول الأسرة، خلال العام الماضي، وليس صحيحاً أن الترابي كان يصارع هذا المرض لأعوام خلت، حيث تم اكتشافه في العام 2015م خلال زيارته للدوحة التي ذكرتها آنفاً.
وخلال بحثي عن الحقيقة حاولت جاهدة استسقاء معلومات اللحظات الأخيرة لمرضه من طبيبه المعالج بمستشفى رويال كير.. لكنه رفض الإدلاء بأي معلومة، وبرر الرفض بأن تفاصيل مرض الدكتور تقع تحت بند مهنة الإنسانية والحفاظ على أسرار المرضى ولا يجوز قانوناً الإدلاء بها.. ثم تواصلت رحلة البحث المضنية لنقل الحقيقة كما هي، فاستعضت عن الطبيب المعالج بمتخصص في نفس المجال بغرض تشخيص الوفاة المفاجئة..
عرضة للنوابات
السياسيون معرضون لمثل هذه النوبات القلبية المفاجئة، هكذا بدأ الطبيب أحمد النور الأمين الذي لم يتوانَ في الحديث، شارحاً وتعرف لدينا بالساعة الذهبية التي يقل فيها أداء القلب بالنسبة للمريض.. حيث يمكن إنقاذه شرط إسعافه بصورة سريعة للمستشفى، ونسبة نجاح عملية المرض المتحدث عنه ضعيفة من ناحية عملية، خاصة إذا كان المريض طاعناً في السن، ولزاماً على المريض الذي تقدم به العمر الابتعاد عن الإجهاد والضغط النفسي المستمر، بجانب عدم ممارسة الأعمال الشاقة وتناول وجبات محددة بانتظام تحت إشراف ومتابعة، بجانب تناول العلاج بصورة دائمة.
حالة إعياء
وحدها الصدفة التي جعلت الطبيب الشاب عمار السجاد شاهد عيان وحيد على تفاصيل اللحظات الأخيرة للمفكر، وبالرغم من كشفه للكثير منها لوسائل الإعلام عقب الوفاة، كان ضرورياً استدعاء إفاداته السابقة، فذكر حضوره إلى المركز العام للحزب في تمام العاشرة صباحاً، أي قبل مجئ المتوفي بنصف ساعة تقريباً لمقابلة بالمركز، وبعد وصوله بنصف ساعة وصل ركب الزعيم وقد رآه عمار وهو يصعد إلى مكتبه بالطابق العلوي وكعادته يمازح بعضاً من طلاب الحزب قدموا إلى مقابلته، (السجاد وبأدب التلميذ مع شيخه لم يقتحم المكتب فور دخول الترابي انتظر برهة من الزمن)، ثم بعد ترتيبات روتينية قامت بها سكرتارية الشيخ أستأذنت طاقم مكتبه حتى يسمحوا لي بالدخول وكان لي ما أردت، دلفت إلى المكتب ووجدت الأمين العام على هيئته بدا لي من الوهلة الاولى وكأنه نائم وكان يحمل صحيفة بيده مما أثار شكوكا بداخلي.. طلبت من طاقم مكتبه نقله إلى المنزل لكنهم اعتذروا بلطف.. وأبلغوني ربما أخذته غفوة فهو مجهد بسبب السهر في الليلة الماضية، فقد سجل قبلها زيارة إلى مسقط رأسه بود الترابي التي زار فيها 18 منزلاً، واستجاب الطاقم بعد إلحاحي عليهم بنقله إلى مستشفى رويال كير مباشرة، وتم الاتصال بأسرته وتوقف قلبه (4) مرات.
ودنا الأجل
كان الترابي مداعباً حاضر النكتة والتعليق.. كامل الظرف.. باسم المحيا.. صاحب البيت المفتوح والكرم الاستثنائي.. هذا ما قاله عنه القيادي بحزب المؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق، وأضاف أنه مسيرة ذهنية وحضور واحد منذ النشأة وإلى الممات لا يتحدث عن نفسه بل عن أفكار.. وإذا أوتي أي أحد من العالمين 10% من ذكائه، فقد أوتي خيراً كثيراً، هكذا ظل عبد الرازق يكثر من الإطراء على شيخه الراحل قبل أن يغوص في تفاصيل بداية مرضه وهو يقول كان الشيخ على علم بكل مشاكله الصحية في القلب ويعلم أن الأجل قد دنا ولكن لم يخبر إلا الأقربين منه، ويواصل عمله بطاقة الشباب حتى لحظة الوفاة، ويكفي أنه مات واقفاً في مكتبه، وكان مساهراً حتى الساعات الأولى من صباح السبت مهموماً بوحدة السودان عبر الحوار الوطني، والنظام الانتقالي ويتخوف في ذات الوقت من الضغوط الأجنبية التي تمارس علي النظام.
ذكاء غير عادي
وصف استشاري الطب النفسي والعصبي الدكتور علي بلدو الترابي بالمتوازن نفسياً وصاحب الصفاء الذهني الذي مكنه من العطاء وعدم التأثر بعامل السن، بجانب إضفاء روح الحيوية على العمل العام مع التقدم بالتفكير والتجديد المستمر، وأضاف أن الراحل من أنجح الساسة في اختيار سيكلوجية النجاح وقراءة الواقع المجتمعي بالصورة التي تتماشى مع الخلفية الأيديولوجية والأفكار العقدية التي يمتلكها أياً كان رأينا فيها، الأمر الذي جعله مؤهلاً للاستمرار لسنوات طويلة على دفة الحزب.
منهج جده
رحل جد العائلة (النحلان) عن الفانية وهو في قمة عطائه واجتهاده عن عمر يناهز الستين عاماً، يقدم النصح للسلاطين الذين عاصروه وقال الخليفة أحمد محمد أبو عاقلة إن (النحلان) جد الشيخ الترابي يرى أن بعض الشيوخ وقعوا تحت أقدام الأمراء والسلاطين فتمرقوا بترابهم وفي ذلك إهانة للدين، فكان منهج جده البعد عن أبواب السلاطين ومناصحتهم، بل وصل الأمر إلى المجابهة، وذهب أحمد بالقول إن النحلان كان عالماً زاهداً كثير الصيام، ونستطيع أن نقول إن منهج وطريقة الشيخ حمد ود الترابي بنيت على العلم والتقيد بكتاب الله والسنة وقول الحق والمجابهة والبعد عن الجهل والدجل والشعوذة والخرافة والتملق للحكام والسلاطين.. وهكذا كان الدكتور حسن الترابي يسير على نهج جده في البحث والتفكير والتعمق في كتاب الله.. حيث ألَّف العديد من الكتب السياسية والدينية وحفظ كتاب الله وهو في أشد المحن والكرب، فكان يبحث ويتعمق في كتاب الله للخروج بالأمة الإسلامية من عنق الزجاجة للفضاء الإيماني.

آخر لحظة


‫6 تعليقات

  1. اللهم يا من بيدك كل شئ حرم جسده على النار يشهد الله اننى لم انتم للحركة الاسلامية قط لكن بحكم معيشتى فى بلاد الغرب تيقنت ان فكر هذا الرجل اكبر من عقولنا نحن معشر السودانيين ودونكم ( روبرت كرين ) او دكتور فاروق عبد الحق مستشار الرئيس الامريكى الاسبق رتشارد نكسون وسفير امريكا الاسبق لدى الامارات فى عهد الرئيس رونالد ريغان هذا السياسى الامريكى الخطير اسلم على يد الدكتور حسن الترابى ابحثوا عن قصة اسلام هذا الرجل ثم احكموا . اما فتواه بجواز الكافر من المسلمة فقد استمعت اليه فى اليوتوب بعد وفاته فى هذه المسالة فقد تم تحريف كلامه تماماً من اهل الهوس الدينى الذين يحرفون الكلم عن مواضعه . الذين وضعوا صورة سيئة عن الاسلام , لك الرحمة يا شيخ حسن .

    1. مبروك عليك فكر هذا المفكر واتباعك له حتى لو دخل جحر ضب لدخلته معه.. غداً ستفولون إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل

  2. المشكلة الكبرى والتي تهدد بزوال البلد وتشتيت شمله تتنامى كل يوم والراعي وحاشيته مشغولون بادارة مشاريعهم واموالهم الملوثة بدماء الكادحين !! قد فشلوا في تجسيد القائد الانموزذج الذي يجوع ليشبع رعيته ويتقدم الصفوف ليفنى دونهم ٠بل اصبح المنصب مغنما مما شجع العديد من الحركات العملية ان تتخذ من ذلك ذريعة لتحيط بالبلد احاطة السوار بالمعصم بينما خلاياها النائمة والمتغلغلة في المؤسسسات التعليمية تنتظر ساعة الصفر لتحول البلد الى صومال جديد اضف الى ذلك اتشار التكفيرييين الجدد الذين انتشروا بمكبرات الصوت يكفرون الكل بدون تحفظ والجهات المسئولة مهتمة بملاحقة ستات الشاي فهؤلاء هم المشعل للفتنة الحقيقة التي ينتظرها المتربصون بامن هذا البلد !1

  3. من يقف وراء التكفيريين الجدد في السودان الذين انتشروا في الاسواق بمكبرات الاصوات ؟وهم يرمون بالكفر كل من حولهم حتى من تتلمزوا على ايديهم فهؤلاء التكفيريون الجدد قد يكونوا مدعومون من الداخل او الخارج لا شعال فتنة طائفية ستكون اشد خطرا من الحروب الاهلية المنتشرة باطراف البلاد او تكون شرارة لحريق البلد وشتات شمله – ومن المفارقات مصادرة صحيفة وترك هذه الفئة تصول ونجول بالاسواق تنشر الكراهية الدينية وتدعوا للفرقة والتناحر بين اطياف هذا البلد المتسامح دينيا الذي يصطف فيه الصوفي مع الانصاري والختمي وراء انصار السنة وبقية الاطياف في صفاء ونقاء لايعكره اتهام بردة او زندفة – اللهم اقطع دابر كل نكفيري يريد ان يهدم الالفة والتسامح بين افراد هذا الشعب السوداني الابي -امييييييين