ضياء الدين بلال

قصة «جوازي» وشر البلية !


قصتي مع وثيقة الجواز السوداني مثيرة ومضحكة، وكانت لفترة مصدر تندر أصدقائي وأسرتي، فقد كنت حريصاً على ألا يعلم بها بعض طوال اللسان وقليلي الإحسان من الأصدقاء، ولكن بعد أن أصبحت القصة شائعة بين أولئك، يضيفون إليها من توابل سخريتهم الكثير، لا مانع الآن أن أشركك فيها عزيزي القارئ. فلن تكون أكثر قسوة منهم..!في إحدى زياراتي للدوحة كنت في ضيافة عدد من الأصدقاء من الإعلاميين السودانيين، والسودانيون في الخارج أولو كرم وشهامة يمكن أن تصل حد الإضرار بصحتك ووقتك وجواز سفرك!

في اليوم الثاني للزيارة فقدت جواز السفر، بحثت عنه في كل مكان محتمل، ولكن دون جدوى، أقلقني هاجس احتمال أن يكون الجواز قد سرق!

لم يعد أمامي سوى استخراج وثيقة سفر اضطراري من قبل الإخوة الكرماء بالسفارة.

وفي يوم السفر وفي صحبة الأصدقاء ذهبت للمطار، وبعد الوداع وصعود الحقائب، تأكدت توقعاتي، فبعد الاطلاع على الوثيقة تغيرت طريقة تعامل رجال الجوازات، وتم إبعادي سريعاً عن بوابة الدخول، وبعد اتصالات وتليفونات جاء الكلام الأخير ليفيد بأن هنالك إجراءات تكميلية يجب أن تضاف للوثيقة وأن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا في اليوم الثاني.

في اليوم الثاني أكملت الإجراءات ومضيت داخل صالات مطار الدوحة الدولي، ثقيل الخطى، سريع دقات القلب، في كل لحظة أنتظر صوتاً يرجعني للوراء، لإبداء ملاحظة أو تسجيل اعتراض.

صعدت إلى الطائرة بفرح وسرور، وفاضت سعادتي بوجود الدكتورة ناهد ابنة أستاذي ومدير مدرستي بالمناقل الثانوية الأستاذ محمد الحسن فضل، أحد علماء بخت الرضا، وناهد الطبيبة المثيرة للجدل كانت زميلة شقيقي دكتور معتز بطب الجزيرة، بدأت بيننا الونسة والنقاش في الأدب والشعر وروايات باولو كويلو، وأثناء ذلك حكيت لها قصة ضياع الجواز وأطلعتها على الوثيقة. مسكت الورقة بيدها، وبدأت على الطريقة السودانية تروي لي قصصاً مماثلة. أثناء ذلك اختلطت وثيقتي الاضطرارية مع ورق دكتورة ناهد والتي عند هبوط الطائرة أدخلت كل الورق بحقيبتها، وافترقنا عند السلم.

وعند وقوفي أمام شرطي الجوازات طفقت أبحث عن الورقة الاضطرارية فلم أجدها.

وجدت صعوبة كبرى في شرح قصتي لمسؤول الجوازات عن فقدان الجواز ثم فقدان ورقة الفقدان..!!

المهم أخيراً أخبرتهم بما حدث، كان من الصعوبة عليهم تصديقي، بدأت حركة بحث شاملة داخل الطائرة وفي أرضية الهبوط وبالصالة دون جدوى، وأخيراً تعرف عليَّ عدد من الضباط واختلط عندهم الضحك المتعاطف بالابتسامات الساخرة بعبارات الاحترام والتقدير!!

تمت معالجة الوضع وخرجت من المطار، وأنا في العربة تلقيت اتصالاً من الدكتورة ناهد تقول إنها وزوجها دكتور شمس الدين لم يرياني عند الخروج، أخبرتها بالقصة، تذكرت الدكتورة أنها وضعت الورقة- التي أصبحت غير ذات جدوى- بحقيبتها، ضحكنا وانتهت المكالمة.

بعد شهر من تلك الوقائع اتصل بي كفيلي بالدوحة الصديق فوزي بشرى، وقال لي ضاحكاً مع شعور بالحرج: «لقد وجدت زوجتي الفضلى جواز سعادتكم بدولاب غرفتنا. الظاهر أنه اثناء ما أنا بكمل ليك إجراءات السكن في شقق قناة الجزيرة قمت ساهياً بوضع جوازك بجيبي، وعندما عدت إلى البيت قامت زوجتي بوضع الجواز بالدولاب».

بعد أن أرسل لي الصديق فوزي بشرى جوازي الذي أخذه سهواً كما يفعل مع مفاتيح أصدقائه الذين يروون عنه قصصاً وحكاوي في (النسيان) غير قابلة للتصديق، كحال كثير من المبدعين، إذ أن كتابة التقارير الرائعة مثل تقرير تنصيب أوباما التي تعتبر بشهادة الجميع الأميز في كل القنوات العربية، لا تترك في ذاكرة فوزي مساحة للأشياء الصغيرة مثل جواز سفري!!