الطاهر ساتي

طيش وفصيح


:: ومن مواجع (إمعات التاريخ)، كان المفتش الإنجليزي يتفقد أحوال الأهل بالشمال.. وهناك تستقبله الإدارة الأهلية بطبول الرجال وزغاريد النساء، ومنها ينطلق الركب الميمون إلى السواقي والأسواق والمزارع ..وكان الركب المبارك يمضي موازياً للنيل وباسقات النخيل..وسيادته على صهوة حصانه المُزيًن بالحرير والقطيف، ومن حوله سياج الحاشية على حصينهم وحميرهم، والبسطاء سيراً على الأقدام..وفي ذات زيارة، تعثر حصانه المفتش في حفرة ثم وقعا معاً..فبدلاً عن مساعدتهما على النهوض، ولإثبات الولاء و الوفاء والسمع والطاعة، وقعت الحاشية من ظهور الأحصنة والحمير ( بلا تعثر)..!!
:: ويبدو أن المدير العام لشركة الخطوط الجوية السودانية عبد المحمود سليمان يقتدي بتلك ( الحاشية).. نعلم – وكذلك سيادته، ثم الجميع – بأن قيادة الدولة العليا غير راضية عن الصحافة، ولأن التكبيل بالقيود الإقتصادية لم يعد مجدياً، فأنهم يجتهدون في تكبيل الصحافة بقيود أخرى .. ونعلم – وكذلك سيادته ثم الجميع – بأن الشمس لم تعد تغيب في بلادنا منذ قبل أن تصطلي كل الصحف أو إحدها ب ( شتيمة عليا) أو ( نقد سيادي) أو ( هجوم وزاري ) أو إجراء نيابي و ( غير نيابي).. وفي مناخ كهذا ليس بمدهش أن يخرج مدير سودانير للناس واصفاً الصحفيين بالنص القائل : ( إنهم بحاجة إلى تدريب، و أنا مستعد اتكفل بتدريبهم ).. صحيح، فالمرء بحاجة إلى تدريب وتأهيل ليتعلم، وأهل الصحافة أكثر أهل الأرض حاجة للتدريب المتواصل، ولكن – وهنا الأزمة – من أي بنود الصرف يتكفل مدير سودانير بميزانية تدريب الصحفيين ..؟؟
:: الله أعلم، ربما تم تعديل القوانين بحيث تكون شركة سودانير إحدى أمانات مجلس الصحافة – أو اتحاد الصحفيين – لتمارس سلطة تدريب الصحفيين ولو كان ذلك خصماً من بنود الوقود وحوافز الكباتن والمضيفات.. ولكن كيف عرف مدير سودانير بأن الصحفيين بحاجة إلى تدريب؟ .. فالإجابة كما يلي نصاً على لسانه : ( التناول الصحفي لعمل الشركة يؤثر سلباً على الشركة، ومن الأسباب التي أدت لتدهورها).. وعليه، حسب حديثه السيد المدير العام، فالصحافة غير المؤهلة هي التي شردت أهل الكفاءة بسودانير وطردتهم شوارع الصالح العام وإستبدلتهم بأهل الولاء ( لزوم التمكين)، فتدهورت الشركة.. وكذلك الصحافة غير المدربة هي التي باعت سودانير لشركة عارف التي لا علاقة لها بعالم الطيران لتزيد ( الطين بلة)، فتدهورت الشركة..ثم الصحافة غير المؤهلة هي التي عجزت عن شراء وتأهيل الطائرات بحيث صار أسطول الشركة أفرغ من فؤاد أم موسى ..!!
:: ولذلك قبل تدريبهم، نطالب مجلس الوزراء والبرلمان والمدير العام لسودانير بمحاسبة الصحفيين غير المدربين الذين إرتكبوا كل تلك الكوارث التي أدت إلى تدهور الشركة.. ولكن المدهش، بعد أن أثقل ظهر الصحافة بمسؤولية تدهور الشركة، قال عبد المحمود واصفاً حال الشركة بالنص الفاضح : ( صاح نحن جايين الطيش، لكن شركتنا قاعدة وشغالة).. إنها المحن السودانية، طيش وكمان فصيح.. أي، حسب اعترافه، فأن ترتيب الشركة في قائمة الطيران العالمي والإقليمي ( الطيش)، ثم لم يجد هذا المدير (شماعة مناسبة) يعلق عليها كل أثواب الفشل غير الصحافة المغضوب عليها، سياسياً وسيادياً .. وليس في الأمر عجب، إذ لكل زمان حصان مفتش إنجليزي يتعثر و حاشية تقع ( بلا تعثر )..!!