منى سلمان

الحياء والعفاف مطلبنا


في تاشراتي وصدر شبابي .. ايام هدوء البال وصفائه، فلا حزن ولا كدر يعكر صفو القلوب الغضة، كنت وشقيقتي الاكبر نحشر انفسنا
في زمرة المعجبين بالعملاق الراحل (عثمان حسين) .. نترصد اوقات بث اغانيه على
الاذاعة السودانية، ونقتني أشرطته المسجلة، بل ونحفظ كل كلمات الاغاني التي ابدعها
(بازرعة) في غربته عن ظهر قلب .. رغم عن ذلك الولاء لفن (أبو عفان)، لم أحس برغبة
ولو بواحد في المئة أن اسعى للتعرف عليه أو الاقتراب منه لتحيته، عندما تشرفنا
بحضوره لديارنا لاحياء حفل زفاف شقيقتنا الكبرى .. ما بين مجاملة المدعوين ومساككة
الـ (ما متعشيين)، مررت أكثر من مرة أمام المسرح ورايته عن قرب، ولكن لم يخطر
ببالي ان اقف لمجرد ثواني للاستمتاع باللحظة التي كانت ستكون تاريخية لأي معجبة من
بناتنا اليوم، اذا ما اسعدتها الفرصة بالتواجد قرب فنانها المفضل !!

كما تشرفت ديارنا غير مرة أيامها بزيارة القامة
(عبد الكريم الكابلي)، وقد عرف عنه ولعه بالتراث وادب الصوفية، فقد حضر بضع مرات
لمجالسة والدي – كان رحمه الله شيخ من شيوخ الصوفية – لينهل من نبعها العذب، ورغم
اعجابي الشديد بابداعات الكابلي خاصة رائعته (ضنين الوعد)، لم افكر مجرد تفكير في
اختلاس النظر له من وراء ثقب مفتاح باب الصالون، كعادتنا عندما يحملنا الفضول
لمتابعة ضيوف ابي، أو تسألنا أمنا (أبوكم معاهو منو ؟) ..

تحاصرني الحيرة كلما قرأت أو سمعت بـ (حركات)
المعجبات من الصبايا والشابات مع فنانين اليوم .. واحدة تصعد للمسرح لتلقى نفسها
على (فلان)، وأخرى تصر على نزع المايك من يد (فليتان) لتشاركه الغناء، وثالثة تحلف
بـ (اليقطعا) ان لا تتحرك من امام المسرح الذي يعتليه (عليتان) ولو جاءوا بونش
لزحزحتها !!

خلط مريع للاوراق بين الاعجاب بشخص لـ شخصه، وبين
الاعجاب بفن أو ابداع شخص معين، لا يلزم التعبير عنه بالصراخ والتشنج والارتماء في
الاحضان ؟!!

هل هي ثقافة (حاكو حاكو) لنلوم عليها (تامر حسني)
وفتياته المستأجرات .. عاد يا بناتي اخجلن وللا أكروني النخجل ليكم !!

أكثر من مرة رصدت عينيي الفضوليتين تصرفات نشاذ
من بعض الشابات .. سواء ان كنا في حديقة أو مطعم أو مناسبة اجتماعية .. لاحظت
جراءة غريبة في تعاملهن مع الجنس الاخر قد تصل احيانا الى مستوى التحرشات، بل سمعت
انه صار من ايسر الاشياء للشاب ان يحصل على رقم موبايل من اراد من الفتيات دون
سابق معرفة .. يكفيه فقد ان يتقدم ليطلبه ما لم تتبرع به هي من غير دعوة .. حليل
زمن البت البعسكروا ليها جنب البيت لمن تمرق تدفق موية العدة !!

كلما تابعت تلك الحركات سألت نفسي بحيرة عن ما
حدث في تركيبة البنات السايكلوجية ! وبث في نفوسهن الغضة كل هذا الخواء الفكري،
بصورة غيرت فيهن حتى أولوياتهن في الحياة ..

في ظني ان بعض من اسباب مشكلة التفلتات
الاخلاقية، وتفشي الممارسات والسلوكيات الدخيلة على مجتمعات الشباب، هو مشكلة نقص
الحياء، فقد جاء في الحكمة: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه)، وقال
الشاعر:

(ورب قبيحة ما
حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء)

الحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام
وأقرها ورغّب فيها، فقد قال النَبيُ صلى
الله عليه وسلم: (الْحَياءُ وَالإِيْمَانُ قُرِنَا جَمِيعاً ، فَإِذَا رُفِعَ
أَحَدُهُمَا رُفِعَ الأَخَرُ)، كما قال عنه ايضا: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ
مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)، وقوله
ايضا:( لِكُلِّ دِينٍ خُلُق وَخُلُق الإِسْلاَم الْحَيَاء) ..

وقديما قال (حبيب بن أوس) :

إذا لم تخش عاقبة الليالي … ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا واللّه ما في العيش خيرٌ … ولا الدنيا إذا ذهب
الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير … ويبقى العود ما بقى
اللحاء

تخريمة جوة الموضوع:

في طفولتنا كانت لنا جارة حبوبة كبيرة في السن،
وكانت صعبة الطباع لا تحب الخمج والحال المائل، ولها نهرة كم اطارت قلوبنا الصغيرة
شعاعا من الخوف، كلما صدرت منا ضحكة أو صراخ بصوت عالي في حضرتها .. كانت تسند
يديها على ركبتيها وتميل للامام وتمد بصرها لمكان تواجدنا ثم تصيح بصوت رعدي يطير
القلوب:

يا بنات .. بلاش قلة حياء !!
(أرشيف الكاتبة)