تحقيقات وتقارير

السودان ..توقعات لما يحدث غداً


تقرير :عمر البكري أبو حراز

هذه قراءة لمستقبل السودان القريب جداً قد تصيب وقد تخيب، لكن في الحالتين يجب التحسب باليقظة والحذر والاستعداد، لأن احتمال حدوث ما سنورده عالٍ قياساً على تجارب أخرى في منطقتنا حدثت مؤخراً في دول وأنظمة كانت قوية، أحكمت قبضتها على مفاصل السلطة في دولها ولفترة تناهز الثلاثين عاماً مثل العراق، وليبيا، وسوريا واليمن تم فيها اقتلاع نظام صدام حسين في مارس 2003، ونظام القذافي تمت إزالته بخطوات وقرارات متسارعة من مجلس الأمن، ففي 26 فبراير 2011 أصدر مجلس الأمن قراره بالاجماع رقم 1970 بإدانة نظام القذافي لاستعماله القوة المفرطة ضد المدنيين، ولما لم يلتزم القذافي بهذا القرار أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1973 بعد أقل من شهر في يوم 17 مارس 2011م،

وهو القرار الذي شكل المسوغ القانوني الدولي للتدخل العسكري في ليبيا، مطالباً بوقفٍ فوري لإطلاق النار ومفوضاً الدول الأعضاء لفرض حظر طيران واستعمال كل وسيلة متاحة لوقف القتال في ليبيا، وذلك لحماية المدنيين، وهو الأمر الذي نفذه سلاح الطيران الفرنسي بعد ساعات من صدور القرار الذي هاجم قوات القذافي، حتى تم القبض عليه وقتله في 20 أكتوبر 2011م، وتركت ليبيا في فوضى عارمة منذ ذلك التاريخ حتى الآن.. أما العراق فقد تم غزوها واحتلالها تماماً في مارس 2003 بواسطة أمريكا وحلفائها مباشرة، بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1441 في نوفمبر 2002 أي بعد حوالي 3 أشهر من القرار ثم احتلالها وتعيين الأمريكي بريمر حاكماً عليها، والذي قام بحل جيش العراق السني القوي واعتقل الآلاف من السنة الموالين لصدام حسين، وتعذيبهم وقتلهم في سجون قاسية مثل سجن (أبو غريب) الشهير.. بعد أن أنجز بريمر مهمته وتكوين جيش جديد شيعي سلم الحكم الى إياد علاوي في 28 يونيو 2004م، ثم نوري المالكي بعده، وكلاهما من القيادات الشيعية في العراق والمعارضين لصدام حسين السني.. أما سوريا واليمن فتركهما التدخل الدولي في فوضى حتى اليوم.. أما نحن في السودان فقد صدرت قرارات أممية خطيرة تحت الفصل السابع منذ العام 2005م أهمها القرار 1591 في مارس 2005م، والذي بموجبه تم تكوين لجنة مراقبة وتفتيش لكل النشاط العسكري الحكومي في دارفور، ثم القرار 1769 بتاريخ 31 يوليو 2007م، والذي به تم تكوين قوات اليوناميد الحالية، وأخيراً القرار 2265 والذي يمهد لخطوة حاسمة أخيرة كما ذكرنا في مقال سابق.. بعد القرار 2265 الصادر بالاجماع وتحت الفصل السابع في 10 فبراير 2016 توالت بيانات ذات مؤشرات خطيرة على السودان بتواريخ متقاربة ومضمون واحد، مثل بيان الاتحاد الأوروبي في 5 أبريل 2016م، وفي 8 أبريل 2016 أصدرت الترويكا (أمريكا، وانجلترا، والنرويج) بياناً مماثلاً.. البيانان يطالبان الحكومة بالالتزام بخارطة الطريق التي أعدها امبيكي، ومنح الحريات والضمانات الكافية للمعارضة المدنية والمسلحة في الخارج، حتى توقع على خارطة الطريق.. والبيانان أيضاً يؤكدان رفضهما للحل العسكري حفاظاً على سلامة المدنيين.. وأخيراً أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً في 11 أبريل 2016 تنتقد فيه اجراء استفتاء دارفور بحجة أنه لا يمثل كل مواطني دارفور، إذ يحرم المواطنين الدارفوريين القاطنين خارج دارفور وخارج السودان، والنازحين في المعسكرات، مما حدا بالخارجية السودانية لاستدعاء القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم وإبلاغه رفض الحكومة الرسمي لبيان الخارجية الأمريكية، وتدخلها في الشأن السوداني الداخلي.. كل هذه القرارات الدولية والبيانات صدرت في فترة لا تزيد عن شهرين (القرار 2265 في فبراير 2016م، وآخر بيان امريكي في 11 أبريل 2016) وكلها تتحدث عن رفض الحل العسكري، وتسلط الضوء على النواحي الإنسانية ،وتزايد النزوح ومعاناة المدنيين جراء العمليات العسكرية الحكومية الأخيرة.. مما يسمح منطقياً بفرضية شك معقول من أن وراء كل ذلك أمر يُخطط له وينفذ قريباً تحت ذريعة حماية المدنيين في دارفور.. بالرغم من ضعف احتمالات حدوث ما سنورده من سيناريو، إلا أن حدوثه وارد في ظل تحامل قوى دولية مؤثرة لتحقيق أهداف غير مرئية كما حدث في غزو العراق عام 2003م بأسباب مفتعلة عن أسلحة دمار شامل غير موجودة أصلاً..
عليه السيناريو المتوقع كما حدث في العراق وليبيا، تدخل دولي في السودان بموجب قرار من مجلس الأمن تقوده أمريكا والاتحاد الأوروبي، يبدأ بحظر الطيران في دارفور وجنوب كردفان، ثم وضع دارفور كلها تحت الوصاية الدولية، حماية للمدنيين وإيصال المعونات الإنسانية لهم.. الوصاية الدولية تعني عملياً خروج دارفور من سلطة الحكومة المركزية، وذلك بسحب كل الوجود العسكري الحكومي والأمني والدعم السريع وأية مجموعات موالية للحكومة، وكذلك سحب القيادات الإدارية العليا مثل الولاة وحكوماتهم وإبدالهم بمواطنين من دارفور مدنيين وعسكريين معارضين للحكومة تماماً كما حدث في العراق عقب غزوها في مارس 2003م، عندما انتصرت القوات الدولية للمعارضة الشيعية على نظام صدام السني.. هذا التدخل الدولي في دارفور سوف يأتي بدوافع ثلاثة – ظاهرياً لكسب منظمات المجتمع المدني القوية في أوروبا وأمريكا، التي استطاع نشاط أبناء دارفور في المهجر اقناعهم بأن شعب دارفور يعاني من نزوح أبرياء مدنيين، وفي أوضاع إنسانية قاسية يفقدون المأوى، والمأكل، والعلاج، والتعليم.. وكما هو معلوم فإن المجتمع الدولي ضعيف أمام المسائل الإنسانية، لذلك سيصدر قرار الوصاية بالإجماع- الدافع الثاني الخفي هو أطماع تلك الدول- ومعها اسرائيل- في ثروات دارفور في باطن الأرض من المعادن النادرة مثل اليورانيوم، والذهب، والنحاس، والماس، والتيتانيوم وخلافها.. الدافع الثالث الخفي أيضاً هو أن أمريكا وأوروبا خاصة فرنسا قلقون ومنزعجون من تمدد نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة في دول غرب افريقيا المجاورة أو قريبة من دارفور، خاصة تشاد وافريقيا الوسطى، لذلك وضع دارفور تحت الوصاية الدولية يخلق منطقة عازلة بين هذه الجماعات ودارفور يعيق تحركها شرقاً وعبرها الى داخل السودان وخارجه، ذلك التحرك المهدد لأمن مصر، والسعودية، واثيوبيا، واريتريا، وليبيا الى أوروبا.
خيارات الحكومة إذا حدث هذا السيناريو اثنان فقط:
الأول مقاومة القرار والدخول في مواجهة عسكرية مع القوات الأممية، وهذا فيه خطر على كل السودان، وذلك بتوجيه ضربات على أهداف عسكرية في قلب السودان (العاصمة)- الآن محددة في الخطة (ب) إذا قاومت الحكومة فرض القرار الأممي بالوصاية، مما يعني اقتلاع النظام ووضع السودان كله تحت فوضى عظيمة مثلما يحدث الآن في العراق وليبيا.
الخيار الثاني: الانحناء للعاصفة وترك دارفور وتركيز سلطات الحكومة على باقي السودان، والدخول في مفاوضات مع الأمم المتحدة عبر الاتحاد الأفريقي، تفضي الى تنفيذ مخطط الهبوط الناعم للانقاذ بإعمال خارطة طريق تضعف سلطة الإنقاذ المطلقة الآن، وإبدالها بفترة انتقالية تشارك فيها الإنقاذ وحلفاؤها الحاليون بنصف قوتها الحالية مع قوى المعارضة المدنية والعسكرية الخارجية والداخلية المناوئة للحكومة، مشاركة فعلية مؤثرة في فترة انتقالية تجري فيها انتخابات مبكرة، ووضع دستور دائم مبني على التداول السلمي للسلطة وتعود دارفور الى السيادة السودانية مرة أخرى.
أعود من حيث بدأت بوجوب توخي اليقظة والحذر والاستعداد، وإذا حدث التدخل وفرض الوصاية على دارفور الخيار الثاني للحكومة هو الأفضل والعملي، الذي يحافظ على باقي السودان حتى تعود إليه دارفور ولو بعد حين.

آخر لحظة


تعليق واحد