حسين خوجلي

الخيل تجقلب والشكر لطاليس


٭ امتد أثر ارسطو طاليس في البناء الدرامي عبر الحقب التاريخية المختلفة وهي تساير هذه الفلسفة «الحجل بالرجل».
كتاب «فن الشعراء» لارسطو طاليس .. الذي اعتمد عليه الدارسون في المعاهد الأكاديمية أسهم بصورة فعالة في خروج النصوص من النمط التقليدي الذي كان يعتمد على تفكيك النكتة إلى أحداث درامية تمور بالكوميديا ..
وليام شكسبير اعتمد على المأساة في تمرير فلسفته الحزينة التي ظهرت بصورة جلية في مسرحية «ماكبث» التي اعتملت بدواخلها النزعة التراجيدية والتي طعن فيها ماكبث ضيفه الملك «دونكان» في مشهد مأساوي حزين تاركاً الدماء تعبر عن الموقف الفاجع.. والخنجر المركوز تسيل عليه الدماء بغزارة.
والمسرح منذ ميلاد الحضارة اليونانية والاغريقية ظل أرضية صلبة للترويح وإبداء القفشات والضحكات باعتبار أن فكرة السمر والخروج إلى المنصات ذات الهواء الطلق تستلزم وضع الحبور.. ووضع البسمة على الشفاه الجافة ولكن شكسبير كأنما أراد أن يعتصر الوجع في البطون الخاوية.. ومنح النظارة فرصة البكاء على الكراسي الوثيرة لأن المعالجة تتطلب غسل الحسرات وإزالة الاحتراقات «بموية» ساخنة تخرج من العيون في شكل دموع ومن ذلك الوقت تحول اهتمام طلاب الدراما في السودان بل العالم اجمع باعتبار العنف الذي تفرزه الغيرة والذبح من أجل الكرامة هو السمة المحورية للتحطيم وصولاً إلى الكبرياء والانفة.
عطيل يقتل ديدمونة ثم يقتل نفسه.. وهذه المحاولة الساذجة رسمت بعبث كثير من النهايات الدرامية العربية.. وخصوصاً المسلسلات والأفلام المصرية التي يحتار المخرج في وضع الخاتمة للمشهد.. فيضطر إلى هذا العبث الدرامي كأنما بقية الحلقات المتسلسلة تثقل كاهله بعبث ثقيل هذه المشاهد المأساوية يفضلها أساتذة الدراما في تدريب الأداء المسرحي الذي يقوم على الانفعال وتسارع النسق المحزن.. فمن السهل جداً اضحاك إنسان ولكن من الصعوبة بمكان ابكائه..
العنف والقتل والحروب تقدمها السينما العالمية طازجة.. بينما ترمي بها النشرات الاخبارية على موائد العشاء «يوماتي» لتثير حفيظتهم وتحرك التوتر بشكل يتضامن مع الكولسيترول لمصادرة «العافية» في جلسة أسرية تكاملت فيها كل الدوائر الاجتماعية.
وهذه المآسي التي تمتليء بها شاشات السينما والتلفاز ما هي إلا انعكاس تاريخي لجذور الدراما اليونانية وقد تحولت الشخوص من الرموز والأساطير إلى أبطال خرافيين وعندما وصلوا إلى شكسبير أصبح هؤلاء الأبطال من النبلاء والملوك بحيث أصبحوا أكثر قرباً من الجمهور.
وفي القرن التاسع عشر بعد ظهور تيار الواقعية على يد الكاتب النرويجي «هنري أبسن» والسويدي استراندبيرج حيث ظلت أزمة الإنسان العربي في الوجود والاحساس بالحياة والتاريخ بشكل كما ذكر الأستاذ أبو القاسم قور في إحدى كتاباته ثم جاء القرن العشرون وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية وقف إنسان القارة الأوروبية على حقيقة العنف والفوضى والدمار بسبب الحروبات التي انعكست على خشبة المسرح وفي الهواء الطلق وهو من أجل التطهير واحياناً يكون من أجل الاحساس بالقهر والكذب الذي يخترعه الإنسان ليتجنب الواقعية عبر هذا الإرث والاحساس بالعدم.
وأزمة الإنسان الأوروبي ظهرت بصورة واضحة عبر بوادر مسرح القسوة لانتونين أرتو وهو امتداد لعملية التطهير بصورة أكثر فظاظة ويهدف هذا التيار للتخلص من العنف وهو ذات الأسلوب الذي يؤكد لنا وقوف المسرح الأوروبي على حقيقة البحث عن طريق السلم لادراك التحول.. وقد ثار انتونين على الثقافة والحضارة الأوروبية وتمرد على أسبابها بصورة واضحة قائلاً «لم يكثر الحديث عن الحضارة والثقافة أبداً كما يكثر الآن حتى عندما تذهب للحياة ذاتها وهنالك توازناً غريباً بين الانهيار العام للحياة الذي هو أساس فقدان الروح وبين ثقافة لم تطابق الحياة أبداً والعالم الجائع لا يهتم بالثقافة وإنما بداخله نهم كبير نحو المعطيات الأساسية التي تسير الحياة كضرورة حتمية لافكاك منها» كأنما أراد هذا الفيلسوف الفرنسي أن يقول «حلة الملاح» ولم يجد لها مرادف يساويها في النسب الغذائية بتكلفة الحد الأدنى إذ لم نقل الشظف الرجوع إلى الثقافة لا يهتم إلا بطريقة مفتعلة ولابد أن نستخلص من ثقافة الافكار قوتها الحية وقوة الجوع.. ونحن في حاجة ماسة إلى أن نحيا.
وقد ظهرت انتقادات حادة لارتو في الحياة الثقافية في أوروبا.. وأن الإنسان الأوروبي إنسان مزيف بلا إيمان وبلا احساس باعتبار أن الثقافة الغربية هي ثقافة الاشياء والنظم والتكنولوجيا.
تلخص إلى أن مشكلة التجريب في الدراما السودانية يختل بمجرد تحويل النظرية إلى واقع تطبيقي