تحقيقات وتقارير

البلد «مخنوقة» !!


حجم الأموال التي يتداولها الناس في السودان ، وفيرة مقارنة بزمن مضى ، فمعظم الأشخاص داخل منظومة الأسرة يمتلك قدرا من المال، في ظل وفرة في كل السلع الغذائية والكمالية ، الى جانب حالة الأمن التي يتمتع بها السودان عدا مناطق العمليات العسكرية ، رغم ذلك ” تشعر أن البلد مخنوقة“، وهذا الإحساس يتعاظم من خلال أحاديث الناس وتحليلهم للمشهد السياسي ، وخوفهم من المستقبل ، وإقبال الشباب على الهجرة والاغتراب ، وهذا الاقبال شمل حتى أساتذة الجامعات والأطباء وأصحاب التخصصات ، وهم بطبيعة الحال من كبار السن الذين ينبغي أن يفيدوا ” البلد“ بخبراتهم الواسعة والمتعددة ،ولكن إفادة البلد أضحت عصية عليهم طالما الراتب لايفي بأدنى الاحتياجات ، وهذا جانب يجب أن تنتبه له الدولة لمنع تسرب الكوادر الذي تسارعت وتيرته بشكل لافت مؤخرا.

نعم يتملكك الإحساس بأن البلد « مخنوقة» حينما تحدث أي من الزملاء أو الاصدقاء أو حتى الأهل برغبتك في الإستقرار بعد طوال إغتراب، فتاتيك ردود الفعل سريعة ، يا «زول» لاتتخذ مثل هذا القرار ، أصبر» شوية ، ويضيفون «انت شايف حال البلد « ، وهنا تلزم الصت ليس قناعة بسلامة مايقولون ، بقدر ما هي فسحة لتدبر الإمور ، وإعادة النظر في حالة «الخنقة» التي يعيشون فيها!!.

قبل أن نأتي على ذكر الحكومة ودورها في إنتاج « الخنقة» ، هناك ملاحظة مهمة جدا ،هي تطلعات الناس أصبحت لأتعرف الحدود، والأغلبية» غير قانعة بما أتاها الله من فضله ، كبار وصغار يريدون تغير واقعهم ، وهذا حقهم ولكن ينبغي أن يكثروا من شكر الله على ما اتاهم من نعمة ..وغيرهم « الفقراء والبسطاء» وهولاء بستحقون أن تتحقق أحلامهم كونها لاتتجاوز « حلة الملاح وشاي الصباح ، وجرعة دواء عند الحاجة» ، هؤلاء لايحلمون بتطاول البنيان ولا الزواج مثنى وثلاث ورباع ، ولايطيلون النظر في فارهات السيارات ،نعم هولاء «الغبش» يستحقون الإهتمام الحكومي.

أما الحكومة فهي بلا شك تتحمل أسباب « الخنقة» التي تزيد كلما أرتفعت درجات الحرارة ، فالحكومة مسئولة من تحقيق تسوية سياسية سريعة ، يتنازل فيها المؤتمر الوطني الذي يحكم البلاد منذ ربع قرن ، يتنازل عن مايرى انه « حق مكتسب» ، من أجل فك « الخنقة « والتسوية السياسية تبدأ من تحقيق جميع مخرجات الحوار الوطني « وتمرير قصة رئيس الوزراء»، وأحسب أن المؤتمر الوطني بقيادة المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية أمام فرص تاريخية قد لايجود بها الزمان لتحقيق هذه التسوية السياسية ، وهي تسوية تمتد الى جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق ، بمحاورة قطاع الشمال وبقية حركات دارفور المتمردة ، فمهما تكون المطالب فهي لن تبلغ حد الخطوط الحمراء ، فالجيش السودان لايراد له أت يحل ولكن يمكن أن تحدث فيها التغيرات اللازمة حتى لايوصف بأنه جيش « مسيس» وهذه تأتي من خلال الحوار الهادي الذي لا تستعلي فيه الحكومة ولا تترفع الجهات المعارضة ،حتى لاتضاعف « خنقة البلد».

وهناك ثمة قضية غاية في الأهمية حيث تقول الحكومة لاتريد ان تسمع أحاديث الفساد دون وثائق دامغة ، وهذه لن تتحقق في كثير من الاحوال، فالفساد ممكن أن يشعر به الجيران ان انغمس فيه جارهم الذي يعرفون دخله المادي، ويدركه الناس في القرى والفرقان حينما ينظرون لتبدل حال من لايملك أهله «حمارا» فكيف له ان يبني الشاهقات ، وتتعدد النماذج وهي تقف بلا دليل ، فالذي يمارس الفساد غالبا لايترك دليل إدانته .

الحكومة يجب أن لاتضيق من مثل هذا الحديث ، فالفساد موجود في كل مكان ،ولكن يجب أن يحارب بلاهوادة ، وإن لم يك هناك فسادا لما قامت هيئات مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية والنزاهة في كثير من البلدان.. الخطر ليس في الفساد في حد ذاته فذلك فعل إنساني قديم لاينتهي بل الكارثة عدم تقديم المفسدين لمحاكمات عاجلة والتشهير بهم ، ايضا ذلك يسهم في فك « خنقة البلد».

مصطفى محكر
صحيفة ألوان