رأي ومقالات

جبـــــل مـــرة .. الخــــروج مـــن العـــزلــــة


شغلت منطقة جبل مرة المراقبين والمهتمين بالشأن الأمني والعسكري هذه الأيام حتى أنه استطاع ان يحوز على طبيعة الكتابات الواردة بالوسائط الإعلامية والصحف السيارة، ولا يمكن ان نتجاوز إذا تجاوزنا ما كتبه الروائي إسحق فضل الله حينما صدر أحد كتبه باسم «الجنجويد يخرجون من الجبل» في إشارة لجبل مرة. ولعل أبلغ ما يمكن أن يتم تناوله هو التعريف بطبيعة هذا الجبل خاصة وأن كثيراً من المتابعين يشيرون إلى ان السودان فقد أهم مصادره المعدنية التي أبعدته عن خارطة الاقتصاد الوطني بإبعاد هذا الجبل عن دائرة الإنتاج السوداني من خلال التمرد الذي انتشر هناك والمعارك التي تدور بينه والقوات الحكومية باستمرار حتى شهدت المنطقة فجوة سكانية بنزوح السكان إلى مناطق أكثر أمناً واستقراراً.
ويعرف جبل مرة في الويكبيديا بأنه عبارة عن مجموعة من قمم بركانية يرتفع إلى 3000 متر. وهو يقع في ولاية وسط دارفور. وأعلى نقطة في الجبل يعتبر المناخ فيها معتدلاً وتتوافر فيها مياه الأمطار والينابيع بصورة شبه دائمة. ويمتد مئات الأميال من مدينة كاس جنوباً إلى ضواحي الفاشر شمالاً ويغطي مساحة 12.800 كلم، ويعد ثاني أعلى قمة في السودان حيث يبلغ ارتفاعه 10.000 قدم فوق مستوى سطح البحر، ويتكون من سلسلة من المرتفعات بطول 240 كلم وعرض 80 كلم، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية، ويتمتع جبل مرة بطقس معتدل يغلب عليه طابع مناخ البحر الأبيض المتوسط، حيث تهطل الأمطار في كل فصول السنة تقريباً مما يتيح الفرصة لنمو الكثير من الأشجار مثل الموالح والتفاح والأشجار الغابية المتشابكة، كما أن هذه الأمطار الغزيرة توفر إمداداً مائياً مستمراً للأراضي الزراعية مما يجعل تربتها صالحة لزراعة الذرة والدخن وغيرهما من المحصولات الزراعية.
يوجد بالجبل العديد من أنواع النباتات التي ينفرد بها دولياً بالإضافة الى مجموعات كبيرة من الحيوانات النادرة والأليفة. يتميز جبل مرة بأنه مأهول بالسكان، وبالقرى الطبيعية الجميلة التي تنتشر حتى قمة الجبل، ويعتبر منطقة جذبِ سياحي للكثير من الزائرين للتمتع بالمناظر الطبيعية والمناخ المعتدل والبيئة النقية. وقد نظم فيه الشعراء الكثير من الدرر ومن النصوص الشعرية التي ما زال يتغنى بها المطربون. فهناك من أنشد مغنياً به بصوته الرخيم مثل الراحل خليل إسماعيل في أغنيته المشهورة «لو شوفت مرة جبل مرة يعاودك حنين طول السنين تتمنى تاني تزوره مرّه».. ربما ما ذكرناه من صفات وخيرات لهذا الجبل الشم هي التي جعلت راهنه السياسي يسير على هذه الوتيرة من الاحتراب والاقتتال. ولم ينشب الصراع في بقعة من البقاع إلا وتجد ما يميز هذه البقعة عن بقية بقاع الأرض في الخارطة المعنية. وجبل مرة بحسب الكثيرين يمثل نسبة فارقة الأهمية في مستقبل السودان لما يتميز به ولما يملكه من إمكانيات من مناخات ومن خيرات، لها تأثيرها الكبير في الخارطة الاقتصادية والسياحية المحلية والدولية. لذلك كله وجدت أصداء الأحداث الأخيرة بجبل مرة صدى كبيراً في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية. وكانت المعارك التي دارت بين القوات الحكومية وقوات حركة عبدالواحد قد أدت لهجرات كبيرة وسط المواطنين خارج الجبل تفادياً للضربات التي لا يفرق فيها بين مواطن أو مدني وعسكري أو ميليشيا أو متمرد. وبحسب الأنباء التي وردت من مصادر الدولة، فقد أكد الدكتور أحمد بلال في مؤتمر صحفي مجيباً عن أسئلة «الإنتباهة» أن الذين نزحوا من المنطقة جراء الصراع والحرب الدائرة بين الحكومة والحركة تجاوز عددهم الـ(47) ألف نازح، بيد أن وزير الإعلام أكد عودة أغلبهم وتبقى فقط منهم (17) ألفاً ما زالوا بعيدين عن ديارهم وتجري الحكومة بحسب بلال، جهوداً جبارة في تأمين طرق عودتهم السريعة لإعمار الديار. وبحسب ما أورده المركز السوداني للخدمات الصحفية أمس، فإن حكومة ولاية وسط دارفور شرعت فى توفير الاحتياجات اللازمة لايواء (300) اسرة نازحة عادت لمناطقها بمحلية غرب جبل مرة بعد دحر فلول عبد الواحد وسيطرة القوات المسلحة عليها. وأكد المهندس عبد الكريم حسن هارون، معتمد محلية غرب جبل مرة استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الهدوء والاستقرار لمناطق جبل مرة بعد العمليات التي قامت بها القوات المسلحة بطريقة ممنهجة استهدفت فصيل عبد الواحد دون إلحاق أضرار بالمواطنين، موضحاً أن حكومة الولاية وضعت ترتيبات دقيقة للتعامل مع النازحين العائدين للمناطق المتأثرة، وذلك باستيعابهم في وحدات سكنية تتوافر بها الخدمات الأساسية. وأضاف هارون انه تم توفير مواد إيواء وكساء بكميات كبيرة للأسر العائدة، موضحاً ان الخطة التي سيتم اتباعها خلال الفترة القادمة ترتكز على مد العائدين بمعينات زراعة لإلحاقهم بالموسم الزراعي الحالي وترغيبهم في الاستقرار بمناطقهم والاعتماد على انتاجهم الزراعي.
وبنفس القدر، فقد اهتمت حكومة ولاية شمال دارفور بنزاحي جبل مرة أيضاً، وقد أرسلت بعثة مشتركة لتقييم أوضاع النازحين المتأثرين بأحداث الجبل والعائدين لمناطق العودة بمحلية طويلة وسرتوني وكبكابية، وتهدف البعثة لتحديد أولويات احتياجات النازحين هناك. وكان الجيش قد أعلن رسمياً انتهاء التمرد بالبلاد بكل ولايات دارفور الخمس. ولعل ما يجري اليوم هناك هو ناتج من الصراعات التي يدور رحاها بمنطقة جبل مرة، ويقول مراقبون إن التربص الدولي كبير جداً بالجبل لما يحتويه من معادن ومن موارد معدنية نفيسة واليورانيوم، كما أن دراسات أشارت إلى أن منطقة الجبل تحتوي على الغاز والذهب وغيره من الموارد الطبيعية. ويقول دكتور أبوبكر آدم الأكاديمي والمحلل السياسي إن منطقة جبل مرة من أغنى مناطق السودان بمواردها الطبيعية والبستانية والمعدنية والغابية ومواردها البشرية، خاصة وأن مساحة الجبل تبلغ عشرة آلاف كيلو متر وهو في مناخه يشبه مناخ البحر الأبيض المتوسط. وأكد أنه منطقة جذب سياحي كانت ترتاده مجموعات أوربية وعربية ومحلية بالاضافة إلى الينابيع المائية المنحدرة من قمة الجبل ذات السحر الأخاذ، مشيراً إلى أن السودان استهدف في منطقة جبل مرة حتى لا يقوم بالاستفادة من فوائده القيمة. ويؤكد د. أبوبكر إلى أن الخروج من العزلة المفروضة على جبل مرة لا تتأتى إلا بتضافر الجهود المشتركة من كل الأطراف الحكومة والحركات والمجتمع الدولي. وأشار إلى الأجندات الخارجية والداخلية التي تحاك بطبيعة الجبل وبإنسانه الأصيل، مشيراً للعديد من الموجهات التي من شأنها إذابة الجليد وخروج الجبل من قمقمه المفروض عليه.

الانتباهة