مقالات متنوعة

طه النعمان : تيران وصنافير(.. وزغزغة العصافير (1)


*)الزغزغة( لغةً، هي غير الزقزقة والشقشقة التي هي أصوات العصافير.. هي وصف للكلام المشوب بالخفة والنزق أو السخرية أو إخفاء المعنى المراد.. فيقال )زغزغ فلان كلامه)، أي أخرجه ضعيفاً غامضاً لا يستبين السامع معناه ويفتقر للبيان.. لكننا هنا ننسبه إلى (العصافير) كناية عن النشطاء والنخب السياسية المصرية التي انتشرت في الفضائيات والساحات.. متخذة من اتفاق ترسيم الحدود المصرية – السعودية مدخلاً للهجوم على (نظام 30 يونيو) والرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته.. وهو الاتفاق الذي يعيد – بعد تصديق البرلمان طبعاً- جزيرتي (تيران وصنافير) الواقعتين على مدخل خليج العقبة إلى المملكة العربية السعودية.
*الجدل، أو الزغزغة، التي أثارتها (العصافير النشطة) تتصل بحقوق الملكية والسيادة على الجزيرتين غير المأهولتين.. واللتين لا تزيد مجمل مساحتهما عن (12) ميلاً مربعاً.
*الحكومة المصرية، ومن واقع البحث التاريخي والمعايير الدولية لترسيم الحدود البحرية، استجابت لطلب المملكة بإعادة الجزيرتين (اسماً) للسيادة السعودية، اعتماداً على حجة المملكة القائلة بإنهما جزيرتان سعوديتان ورثتهما الدولة السعودية (الخلف) عن الدولة (السلف) التي هي (ولاية الحجاز)، كما تؤكد بعض الخرائط الصادرة عن السلطنة العثمانية عام (1906)، عندما كان كلا البلدين خاضعين لسلطة اسطانبول.
*الرئيس السيسي، في لقائه مع رموز الصحافة والنخبة السياسية يوم الأربعاء الماضي بقصر (الاتحادية)، أوضح أن حكومته اتخذت قرار إعادة الجزيرتين للسعودية، والذي ستعرضه على مجلس النواب، بعد بحث مستفيض ومدقق في وثائق الدولة المصرية.. لدى الخارجية والمخابرات العامة والقوات المسلحة، وبعد أخذ رأي الخبراء والباحثين وفقهاء القانون الدولي والدستوري العارفين لحقيقة وضع الجزيرتين.. ما دعاه للاطمئنان بالرأي القائل بإن الجزيرتين سعوديتان وضعتا تحت (الإدارة المصرية) إثر التطورات التي أفرزها الصراع العربي- الإسرائيلي.. وإن الملك عبد العزيد قد طلب في أربعينيات القرن الماضي من الملك فاروق الأول حماية الجزيرتين من التغول الإسرائيلي.. لأن الدولة السعودية الناشئة حينها.. لم تكن لديها قوة بحرية كافية تمكنها من الدفاع عنها في ذلك الوقت.. وإنه منذ العام 1990 وما تلاه بدأت السعودية تكاتب الحكومة المصرية طالبة إعادة الجزيرتين.. هذا بالإضافة إلى ما أوضحه السيسي لمستمعيه من أن ترسيم الحدود ضروري – قانوناً- لاستثمار الثروات البحرية في المنطقة الاقتصادية البحرية بالنسبة للبلدين، كما حدث مع كل من قبرص واليونان.
*هذه- باختصار- رؤية الرئيس السيسي وحكومته لأمر (تيران وصنافير).. أما رؤية (العصافير) المعارضة فتقوم على أكثر من محور أيضاً.. فهم يرون أنه طالما ظلت الجزيرتان تحت الإدارة والحماية المصرية منذ أربعينيات القرن الماضي.. وأن المصريين قد فهموا وتعلموا أن الجزيرتين مصريتان، وأن الدم المصري قد سال أكثر من مرة دفاعاً عن تلك الجزيرتين.. فهما بالتالي قد آلتا بحكم الأمر الواقع إلى مصر وأصبحت أراضٍ مصرية (بوضع اليد).. كما أنهم استندوا في محور آخر إلى أقوال مسجلة للرئيس عبد الناصر الذي أظهروه في شريط فيديو.. قبيل أزمة يونيو (حزيران) 1967 عندما أمر بطرد القوات الدولية وإغلاق مضيق العقبة وحظر الملاحة فيه.. وهو يقول: إن (مضيق تيران مصري وإن جزيرة تيران مصرية) ومن حقهم منع إسرائيل من المرور عبره لأنه يهدد أمنهم القومي.. ويمكن للمرء أن يتفهم ببساطة الأجواء التي جعلت عبد الناصر – بروحه القومية المعروفة – يذهب إلى ذلك الوصف للجزيرة وما حولها.
*لكن المحور الثالث والأهم الذي يثيره الرافضون هو ما وصفوه بـ (المفاجأة).. مفاجأة الشعب بإعلان تسليم الجزيرتين دونما تمهيد أو توضيح أو تمليك الرأي العام المعلومات التي استندت إليها الحكومة في قرارها.
(يتبع)