مقالات متنوعة

ناصر بابكر : المستحيل ليس مريخياً


* في الوقت الذي إعتقد فيه العالم أجمع أن طريق ريال مدريد لنصف نهائي الشامبيونزليغ مفروش بالورود بعد أن وضعته القرعة في مواجهة فولفسبورغ وفي الوقت الذي إنتظر فيه الجميع حسم الملكي لبطاقة التأهل من ألمانيا.. صعق رفاق دراكسلر عشاق كرة القدم في كل مكان بعدما هزموا صاحب الألقاب العشرة في دوري الأبطال بثنائية نظيفة.. وبعدما أعتقد كثيرون أن ريال مدريد في طريقه للخروج وأن مهمته في التأهل باتت عسيرة للحد البعيد.. عاد الملكي من بعيد وقلب الطاولة على منافسه الألماني.
* على صعيد يوربا ليغ، كانت هنالك قمة إنتظرها العالم بشغف كبير جمعت بروسيا دورتموند بليفربول.. قمة بدا للجميع أنها تسير في مصلحة الليفر بعد أن إنتهت مواجهة سيغنال إيدونا بارك بالتعادل بهدف لكل لكن الآية إنقلبت في الإنفيلد وبروسيا يجد نفسه متقدمًا بثنائية نظيفة قبل أن تصل المباراة لدقيقتها العاشرة.. وبعد مرور ساعة من زمن اللعب كانت النتيجة تشير لتقدم الألمان بثلاثة أهداف لواحد.. وفي الوقت الذي بدأ فيه تفكير الجميع ينتقل لمعرفة منافس بروسيا دورتموند في نصف النهائي كان الريدز يسجل عودة تاريخية مسجلاً ثلاثة أهداف في أقل من نصف ساعة محققًا ما بدا للجميع مستحيلاً بتأهله لنصف النهائي.
* في الليغا الإسبانية.. كان العالم بأسره يتحدث قبل أقل من ثلاثة أسابيع بأن (الدوري حسم) وبأن مراسم الإحتفال يفترض أن تنطلق في كاتلونيا في ظل الفارق الشاسع بين البارسا المتصدر وقطبي العاصمة مدريد.. واليوم يتابع الكل إثارة لا حدود لها في الليغا وصدارة برشلونة لم تعد سوى بفارق الأهداف عن الروخي بلانكوس ونقطة يتيمة عن الريال الثالث.
* كل نموذج من تلك النماذج وكأني به يوجه رسائل للمريخ وشعب المريخ مضمونها عدم اليأس وعدم الإستسلام ومفادها ألا مستحيل في عالم الساحرة المستديرة.. صحيح أن الفارق بين القارة السمراء والقارة العجوز شاسع للحد البعيد.. صحيح أن المقارنة معدومة في كل شيء بيننا وبينهم.. من يسأل (أين نحن منهم ومن إحترافيتهم؟) محق في سؤاله.. لكن كرة القدم تبقى هي كرة القدم.. في السودان أو اليابان أو بلاد الأسبان والألمان هي كرة القدم.. المعطيات كالتكتيك والجاهزية البدنية والخبرة والفوارق المهارية وغيرها تلعب دوراً مهمًا في ترجيح كفة فريق على آخر لكن تبقى الثقة والإرادة والروح القتالية والإيمان بالحظوظ والقتال حتى الرمق الأخيرة عوامل مطلوبة وبشدة.. وتبقى عوامل يمكن أن تقلب الطاولة حتى على فوارق الورق التكتيكية والبدنية والفنية وغيرها وفي تلك العوامل سر روعة وجمال كرة القدم.
* عندما إستقبل المريخ الوفاق ذهاباً، كان كثيرون ينتظرون فوزاً مريحاً بثنائية أو ثلاثية نظيفة.. الملعب إمتلأ بآمال حسم التأهل من الخرطوم.. بعد اللقاء، إنعكست الآية وتغير الوضع.. اليوم يدخل بطل السودان ملعب الثامن من مايو بأرض منافسه والغالبية العظمى تعتقد أن خروج المريخ مسألة وقت لا أكثر.
* بمعطيات وحسابات كرة القدم.. ما يعتقده كثيرون سيحدث لا محالة.. فنتيجة الخرطوم سيئة للحد البعيد بحسابات مباريات الذهاب والإياب.. المريخ سافر للجزائر برحلة مرهقة للحد البعيد إستمرت لـ(20) ساعة وببعثة لم تتضمن سوى (18) لاعباً بينهم من يعانون من إصابات وإن كانت طفيفة وبينهم من ليس في جاهزية كاملة.. بحسابات كرة القدم.. من سجل هدفين وهو يلعب خارج أرضه طبيعي أن يكون الطرف المرشح للفوز وهو يلعب بين أنصاره.. ولكن أجمل مافي كرة القدم أنها لعبة لا تعرف المنطق.. أن نتائجها لا تأتي دوماً مصدقة للتوقعات التي تسبقها.. وفي مباريات الشامبيونزليغ واليوربا ليغ والليغا والبريمرليغ الذي يقترب ليستر سيتي من الفوز بلقبه رسائل مهمة لفرسان الأحمر.. رسائل مفادها أن المهمة صعبة ولكن لا مستحيل في عالم كرة القدم.. مفادها أن مافي الورق يبقى في الورق وحقائق المستطيل الأخضر مختلفة.. مفادها أن الثقة بالنفس والإيمان بالحظوظ والقتال من أجل الفوز حتى الثانية الأخيرة عوامل تصنع فارقاً هائلاً وتجعل المستحيل ممكناً.
* المريخ يعاني من الإرهاق وهذا صحيح.. لكن الوفاق نفسه منهك.. الفريق الجزائري لم يعرف طعم الراحة على مدى أكثر من عامين سوى لفترة وجيزة لم تتجاوز أسبوعين.. الدوري الجزائري وصل أمتاره الأخيرة وشارف على النهاية وهي الفترة التي يظهر فيها أثر الإرهاق على اللاعبين.. نتيجة المريخ على ملعبه ذهاباً سيئة وهذا صحيح.. لكن الوفاق وفي آخر عشر مباريات قارية على أرضه لم يحقق الفوز سوى ثلاث مرات فقط مقابل ستة تعادلات وهزيمة.
* وفاق سطيف أقرب للتأهل وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.. والمريخ بـ(المنطق) أقرب للخروج.. وفي تلك التوقعات سلبية دفعة قوية لنجوم الأحمر لقلب الطاولة على قراءات الورق.. وفي التوقعات السلبية راحة نفسية يفترض أن تحرر نجوم المريخ من الضغط وتدفعهم لتقديم أفضل ما عندهم.. فإن حققوا ما يراه البعض مستحيلاً فجروا شلالات من الأفراح وسط أنصارهم.. وإن لم يوفقوا وإنحازت الكرة للمنطق، فيكفيهم أجر الإجتهاد والمحاولة ولن نثقل عليهم باللوم لأننا نقبل حقيقة كرة القدم التي تسعدك يوماً وتحزنك يوماً آخر.. حقيقة كرة القدم التي تجعل من برشلونة الذي كان يوصف حتى قبل وقت وجيز بالفريق الذي لا يقهر فريقًا يتلقى الهزيمة تلو الأخرى.
* شخصياً، أرجح فرضية خروج المريخ لكنني لا إستبعد إمكانية سماع نبأ سار من أرض الجزائر.. فثقتي في روح وإرادة فرسان الفرقة الحمراء لا تحدها حدود.. وشخصياً يهمني أكثر رد فعل شعب الزعيم بعد اللقاء.. فلو حدث المراد وتأهل الأحمر فينبغي أن نفرح دون إفراط ينسينا أن بالمريخ نواقص تحتاج لإكمال في التسجيلات وبأنه ما زال بحاجة لعمل كبير على كافة الأصعدة ليصل المرتبة التي نرنو لها جميعاً.. وإن حدث المتوقع، فطبيعي أن نحزن لكن دون إنفعال يقضي على الأخضر واليابس حتى نجعل من الخروج درسًا نتعلم منه كيفية شق الطريق بنجاح نحو مجموعات الكونفيدرالية.