حيدر المكاشفي

شناة وفقر ومرض وفاقد تربوي


القصص المؤلمة والمحزنة والمفجعة التي كان ومازال الفقر وتدني مستوى الدخول والأجور سبباً رئيساً فيها، في مقابل الطفرات المتصاعدة للغلاء والصعود المستمر للعملة والأسعار وتكلفة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وخلافه، وما رافق ذلك من خلخلة اجتماعية وزلزلة معيشية أوشكت أن تكون (تسونامي) يطيح بكل قيم المجتمع السوداني المتوارثة جيلاً عن جيل، ووقوف الدولة عاجزة عن فعل شيء ذي بال لمجابهة هذا الخطر الداهم والماحق؛ لأنها ببساطة ظلت بسياساتها الاقتصادية وغير الاقتصادية جزءاً من المشكلة، ولم تكن ولن تكون جزءاً من الحل ما لم تعدل وتغير في هذه السياسات جملة، لا شك أن مثل هذه القصص والمآسي كثيرة بعدد الفقراء والمعوزين والمعسرين وذوي الدخل المحدود والحيل المهدود والذين لو قلنا فقط إن أساتذة الجامعات والأطباء قد دخلوا في عدادهم لكفانا ذلك دليلاً على مدى استشراء الفقر والعوز وتمكنه من مفاصل المجتمع، وقد قالها من قبل البروفسور عبد الله الطيب، طيب الله ثراه، قبيل وفاته بقليل عندما أطلق مقولته الشهيرة عن أن تدهور أحوال وأوضاع أساتذة الجامعات وضعهم في دائرة من يستحقون الزكاة، وليس من دلالة أبلغ على الفقر والمسغبة من استحقاق الزكاة، ولا شك أيضاً أنه ما من مواطن أو مواطنة من أهل السودان إلا ويعرف معرفة شخصية أكثر من قصة ومأساة، هذا إن لم يكن هو شخصياً صاحب قصة يتداولها الآخرون بكل حزن وأسف…
من إفرازات هذه الخلخلة ما لفت نظر الأستاذة سمية سيد رئيس تحرير صحيفتنا هذه (التغيير) ونبهت إليه بالأمس في عمودها المقروء، بعد قراءتها لنتيجة الأساس لاحظت سمية أن معظم من حازوا على درجات عالية كانوا أبناء أسر ميسورة، كما لاحظت أيضاً أن جل الراسبين كانوا من أبناء الطبقات الفقيرة والأكثر فقراً، وتلك لعمري نتيجة طبيعية للنهج الذي جعل التعليم سلعة غالية الثمن باهظة التكاليف، لا يستطيعها إلا ذوو بسطة في المال أو السلطة أو الاثنين معاً في أزمنة تحالف أهل المال مع السلطان، الأمر الذي شطر المجتمع إلى فسطاطين كما يقول الساخرون «الشناة والفقر والمرض والفلس والفاقد التربوي» في جانب، و«الدعة والراحة والجمال والعافية والترطيبة والتعليم الجيد» في الجانب الآخر، كما أن هذا الحال في المجمل هو إفراز طبيعي لسياسة التحرير التي دفعت الحكومة لرفع يدها من الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرها من الضروريات الحياتية الأخرى وانسحابها تماماً من هذه المجالات وتركت المواطن نهباً لها، يكابد لهيب مصروفات التعليم والعلاج «التعليم على قدر ما تملك من مال والعلاج كذلك»، ولم تسعف الحكومة في هذا الجانب بعض المعالجات الاجتماعية الفطيرة التي حاولت بها امتصاص تلك الإفرازات السالبة لهذه السياسات وما أكثرها…