رأي ومقالات

على بلاطة.. عن خطة الإطاحة بالرئيس السيسي


(1)هذا المقال خطير، ومثير للقلق على مستقبل مصر والمصريين جميعاً، وفي مقدمتهم الرئيس السيسي شخصياً، لكنني لم أتردد في كتابته لأنني لم أتعود الهروب من الخطر، أو الاستسلام للقلق، صحيح أنني لم أقتنع تماما بالمعلومات الخطيرة التي تتسع دائرتها، وتتصاعد التأكيدات بشأنها، لكن الأحداث تمضي في الطريق المخيف، وكأننا ننتقل من مجهول إلى مجهول، ونعبر الرمضاء لنقع في النار.

(2)

منذ أسابيع وصلتني معلومات تفصيلية عن ترتيبات لتصنيع «ثورة شعبية» للإطاحة بالرئيس السيسي، أسوة بما حدث ضد مرسي في 30 يونيو، وكان واضحا أن المعلومات ترتكز على وجود انقسام في السلطة العليا بين السيسي والدائرة الأمنية القوية التي تحيط به من جهة، وبقية مؤسسات الدولة العميقة من جهة أخرى، لكنني شككت في هذه المعلومات، واعتبرتها مجرد تسريبات لإثارة البلبلة، أو نوبة من نوبات التفكير بالأمنيات، بحيث يعكس الفرد أو الجماعة أمنياتهم صعبة التحقق في سيناريوهات ذهنية يقنعون أنفسهم بها، ويصدقونها، ثم يبدأون في ترديدها، وانتظار حصولها بالفعل.

(3)

كنت قد نسيت الكلام الذي وصلني، حتى فوجئت بعد أيام بالحديث نفسه يتكرر بتوسع، ويحشر محافظات الصعيد في ترتيبات الثورة العنيفة المقبلة، ويحدد أسماءً لمسؤولين سابقين يشاركون في التخطيط، وتم الاستشهاد بتصريحات مجتزأة لبعض رجال الأعمال، والشخصيات السياسية، وإعادة تفسيرها باعتبارها تلميحات بثورة لا شك فيها، ففلان يقول: «سيبوه شوية، واستنوا اللي هيحصل».. ويضيف بإشارة لها مغزى: مايو مش هيعدي إلا ومعاه أخبار جديدة، هتعدل كل الأوضاع بإذن الله.!، ويقول آخر كلمات مغلقة بلا تفسير للطرف الذي يدافع أمامه عن السيسي: ابقى قابلني بعد 30 يونيو، عشان الدنيا هتكون غير الدنيا، وساعتها نبقى نتكلم.!

(4)

اكتملت أمامي الخلطة السحرية: غضب شعبي، وأموال، وسلاح، وأجنحة في السلطة، وأحاديث مرسلة عن إطاحة لنظام قوي يرتكز على مؤسسات أمنية راسخة..! لكن شيئاً ما يظل ناقصا في هذه السيناريوهات المتداولة: من يجرؤ على هذا؟.. وما هي الأجنحة التي يمكنها المشاركة في إطاحة رئيس من نسيج النظام المهيمن؟ وهل يمكن أن تتورط أجهزة الدولة أو رجال أعمالها في هذا التغيير (سواء كان اسمه ثورة أو انقلاب)؟.. وهل هناك ترتيبات إقليمية أو دولية تساعد في تحقيق ذلك؟، وما حقيقة مصالح القوى الخارجية المستفيدة من هذا التغيير المحلي؟، وهل هذا التغيير هو الثمرة الطبيعية لتزايد الضغوط الدولية على نظام السيسي؟!

(5)

سألت عن دور للفريق شفيق في سيناريو الإطاحة المزمع، فانقسمت الآراء، هناك من استبعده تماما، وهناك من أكد وجود دور قوي له، وهناك من وقف في المنتصف واعتبره مجرد ممثل لجناح في الدولة العميقة التي اتفقت على إطاحة الرئيس لامتصاص غضب الشارع، وبطبيعة الحال انقسمت الآراء على شخصية البديل المقترح، فهناك من تحدث عن رئيس مدني من شخصيات الجنوب، وهناك من تحدث عن استمرار أصحاب الخلفية العسكرية..!

(6)

بعد الإعلان عن أزمة تيران، لم تتوقف السيناريوهات الغامضة، بل تحدث المتحمسون عن متغير مهم يساعد في الإسراع بثورة الإطاحة، ووصفوا تعامل السيسي مع أزمة الجزيرتين، باعتباره خطيئة استراتيجية لا تقل عن خطيئة مرسي في خطاب الاستاد، وحديثه عن سوريا، ودعوته لقتلة السادات في احتفالات نصر أكتوبر، وبدأت الآراء المتحمسة تزج في حديثها بالشخصيات الاستراتيجية والمؤسسات الاستراتيجية!، بل تهور أحدهم وأكد أن قيادة عسكرية كبيرة هي المرشحة لتولي الأمور بعد ثورة الإطاحة بالسيسي، وشاع الحديث عن غليان داخل هذه المؤسسات، واستخدم أصحاب هذه الرؤية كلمات بيان البيت الأبيض عن متابعة ردود الفعل الشعبية الغاضبة في مصر ضد تسليم تيران وصنافير، كما تلقفوا معلومات منسوبة لمركز سترات فور تتحدث عن خلاف كبير في المستويات العليا للنظام بشأن الموقف من الجزيرتين!

(7)

كنت ومازلت أرفض، مثل هذه السيناريوهات المخيفة، التي تحولنا إلى «جمهورية موز»، أو تعيدنا لعصر الانقلابات الأفريقية السريعة، التي تعرفنا عليها في حداثة عهد قارتنا السمراء بمفهوم الدولة العصرية، حتى أطلق عليها المتندرون مقولتهم الساخرة: «في أفريقيا.. اللي يصحى من النوم الأول يقعد على كرسي الرئيس ويستولي على الحكم»..!

(8)

صحيح أنني معارض بقوة لسياسات السيسي، وطريقته في الإدارة، وحتى للغة خطابه، ونظرته النفسية لنفسه كحاكم.. ولنا كشعب، ومنذ اتسعت الفجوة بينه وبين الثورة، وأنا أفكر في موعد إصدار الحكم النهائي عليه علنا كرئيس فاشل، وهو ما أعتقد أنه حكم صحيح في ملفات كثيرة وخطيرة، وفي رأيي أنه إذا فشل في استعادة السيادة المصرية على تيران، فإن حكم الفشل (بالنسبة لي) سيكون باتاً ومؤكداً بما لا يقبل نقض ولا استنئاف، لكن هذا «الفشل» لا يعني موافقتي على أسلوب «الانقلاب المفاجئ» من مؤسسات في الحكم، دون تحرك شعبي واضح، لأن هذا في رأيي مقامرة نحو المجهول، وخطوة باتجاه الفراغ..!

(9)

الملفت فعلاً أن الرئيس نفسه بدأ يتحدث بوضوح عن «مؤامرة داخلية» خطيرة، ويحذر من الداخل أكثر من الخارج، فالقلق الذي يعبر عنه يتلخص هذه الأيام في «أهل الشر»، وهو اصطلاح سيساوي غامض لا يليق بلغة الخطاب السياسي، لكن هذه الشواهد كلها لا ترقى في نظري إلى سيناريو واقعي متكامل، لأني من دعاة الشفافية في العمل السياسي، ولا أحب مؤامرات الكواليس، ولا أتعاطف معها، لذلك ظللت أتعامل مع هذه السيناريوهات الغامضة (حتى بعد تصريحات الرئيس) وفي ذهني احتمال أنها تسريبات مقصودة من أجهزة رسمية لقياس ردود الأفعال، وزرع فزاعة جديدة في النفوس، تخيف الناس من احتدام الصراع، ومن الدخول في دوامة فوضى، وطاحونة عنف تضر الجميع، وهو احتمال قائم في ساحة عشوائية يغيب فيها المنطق، ويتراجع العقل خلف خطوط التأثير، لكنني قررت التخلص من كرة اللهب التي تكبر حولي، والتي ينفخ فيها الكثيرون بنوايا شريرة أو حسنة (لا فرق عندي).. لأنني لا أستهدف التغيير بطريقة تعيدنا إلى الوراء كثيراً، أنا استهدف الضغط من أجل تعجيل التحول نحو الديمقراطية، وتثبيت مبدأ تداول السلطة وفق الدستور، والاحتكام لدولة القانون، وهذا لا يعني الإبقاء على حاكم فاشل، لكن إزاحة الحاكم بالآلة العسكرية شىء، وبالتدرج الديمقراطي والضغط الشعبي شىء آخر، ولن أوافق على إزاحة السيسي إلا بعد مظاهر احتجاج شعبي في الشوارع، يضاهي الاحتجاجات التي خرجت ضد مرسي، ليس بالضرورة العدد نفسه حتى لا ندخل في خلافات التعداد الساذجة 23 مليونا و30 مليونا، وما إلى ذلك من مبالغات، لكن المهم الزخم الشعبي الذي يضع الرئيس أمام مسؤولياته، فإما يستجيب ويصحح مسار الثورة، وإما يخضع للإرادة الشعبية فيريح ويستريح.

(10)

وحتى يحدث هذا، فقد كتبت هذا المقال بكل شفافية لتنبيه الشعب، وتنبيه الرئيس، وتنبيه كل القوى الفاعلة، فالثورة عندي ليست «انتهازية الخطف»، ولا «مقلب حرامية»، ولا «فرصة سانحة للغدر»، لكنها فعل شعبي معلن، وشعاراته مرفوعة ومعلومة للجميع، وفي مقدمتها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي معركة شرف لن نتنازل عنها.. سنخوضها تحت الشمس، ولن نخوضها بجبن كمؤامرة في الخفاء.

(11)

هذا كلامي على بلاطة للرئيس، وللشعب، ولكل من يهتم بمصر.

اللهم إني قد بلغت.. اللهم فاشهد.

جمال الجمل
المصري اليوم