منى ابوزيد

الإسم العلمي لمتلازمة العشرة ..!


«إن أقل البيوت الذي يبنى على الحب وحده» .. عمر بن الخطاب ..!
حتى عهد قريب كانت دراسات اجتماعية ونفسية مختلفة تؤكد أن الحب الحقيقي الذي يدوم إلى الأبد ما هو إلا وهم يغذيه خيال العشاق .. وأن الحب الذي يجعلك لا ترضى عن شريك العاطفة والوجدان بديلاً مهما كانت العقبات أو المغريات، مكانه الأفلام والروايات التي تستمد شرعيتها الثورية من خيال الكتاب ..
لكن وكالات الأنباء العالمية خرجت علينا – قبل فترة – بخبر يتضمن اكتشافاً علمياً جديداً، جاء نتيجة لدراسات وأبحاث مستفيضة عكف عليها خبراء وعلماء متحذلقون برعاية كريمة من أحدى الجامعات الأمريكية، مفاده أن الحب الحقيقي الذي يدوم بين الأزواج إلى الأبد حقيقة علمية واقعية، وليست من نسج خيال كتاب الروايات والأفلام الرومانسية ..!
الحب الحقيقي الذي قام وقعد أولئك العلماء لإثبات وجوده ليس الحب العذري الذي يتلظى بنار الفراق وينضج على أتون الشعور بالحاجة والافتقاد، بل هو قوة الجذب التي تدوم إلى الأبد بين الزوجين بعد أن يتمدد الملل على أريكة الشغف .. وبعد أن يتحول الهمس إلى شخير .. وبعد أن تتحول المناجاة الهاتفية الرائقة على غرار (كيف يومك؟) إلى طلبات عاجلة – متعجلة – على غرار (جيب معاك عيش) ..!
نتائج تلك الأبحاث جاءت بعد دراسات مكثفة على زيجات وأزواج من مختلف الفئات، فقد اختاروا أزواجاً حديثي العهد، (سعيدة معاي)؟! .. وأزواجاً مر على زواجهم ما يكفي لبعض التذمر (أهلك غشوني) .. وآخرين مر على زواجهم أكثر من عشرين عام فتفرغوا للجدال الذي لا طائل منه و»المناكفة» على أتفه الأشياء (ياراجل قول بسم الله تسأل من النظارة وانت لابسها) ..!
وتجنباً لأي شبهة «استهبال» من أي نوع، تم إجراء مسوحات مقطعية على أدمغة الأزواج في أثناء تعبيرهم عن مشاعرهم لشركاء حيواتهم! .. فكانت النتيجة ظهور استجابات عاطفية عند بعض الذين مر على زيجاتهم أكثر من عشرين عام تشبه تلك التي تظهر على الأزواج حديثي العهد .. وعليه فقد ثبت علمياً أن الحب والإخلاص لشخص واحد إلى الأبد حقيقة علمية تعيش بين ظهرانينا وتنجح في أن تتعايش مع سلطة النكد وسلطان الملل .. ! .
بيد أني لا أعتقد أن الدراسة الحديثة تدحض القديمة بقدر ما تمثل كلتاهما وجهاً من وجوه الواقع فالالتزام العاطفي الذي يتبخر بعد مرور سنوات هو ذلك الذي يعول في نهوضه – بادئ ذي بدء – على افتراض الملائكية والكمال والتفرد في الآخر.. بينما العاطفة الأبدية في علاقات الزواج هي تلك التي تتفق مع حق الآخر في الخلاف والاختلاف وبالتالي هي التي تصنع الهدوء العاطفي المنشود ..!
يعني باختصار: قام أولئك العلماء وقعدوا ليخرجوا على البشرية بفهوم متحذلق للعشرة القائمة على المودة والرحمة والتي لا تعني أكثر من أن تختار البقاء مع شخص لم يعد يدهشك أو يفتنك وجوده، ولم يعد يخيفك أن تفارقه، لكنك في ذات الوقت لا تستطيع – ولا تريد أن تستطيع – أن تكمل ما تبقى من المشوار مع شريك آخر غيره .. حتى وإن كان ذلك الجديد من النوع الشديد ..!