مقالات متنوعة

محمد لطيف : عادت الجزر.. فهل تعود حلايب؟! 3


خلصنا بالأمس إلى وعد بالنظر اليوم.. في الموقف المصري والدور السعودي.. وبين هذا وذاك الخيار السوداني المتاح.. منذ فترة ومصر الرسمية تتحاشى الحديث عن مثلث حلايب.. ولا ترى مسوغا للحديث عن مصرية حلايب.. طالما كان الطرف الثاني هادئا.. وطالما كانت حلايب عمليا قد غدت مصرية حيث السيطرة على الأرض والسيادة فيها للمصريين.. غير أن ثمة مناسبات تجبر مصر الرسمية على الحديث.. كمناسبة بيان وزارة الخارجية السودانية الذي صدر قبل يومين وهو يحمل بين طياته أمرين لافتين ولاشك لمصر.. الأول التأكيد الجازم على أن مثلث حلايب أرض سودانية ولا تنازل عنها.. والثاني دعوة البيان مصر للجلوس على مائدة تفاوض لحل إشكالية حلايب أسوة بما تم حول الجزيرتين اللتين أعادتهما مصر للسعودية.. أو قبول التحكيم الدولي كما جرى الأمر حول طابا..! وقبل إنقضاء يوم واحد على البيان السوداني كان الرد المصري جاهزا.. يعبر عن الأمر الواقع الذي فرضته هي قبل نحو عقدين من الزمان.. أن حلايب مصرية.. وأنها.. أي مصر.. ليس لديها ما تقوله في هذا الشأن.. وحق لها ذلك.. فالدبلوماسية المصرية هي الأخرى تبدو أسيرة للثقافة الشعبية الموروثة من الفقه القانوني في مجال منازعات العقارات.. حيث ترى تلك الثقافة أن أفضل وضع هو أن يبقي الوضع على ما هو عليه.. فالمتمكن من العقار هو المستفيد.. ومصر تمارس شيئا من هذا.. حين تسيطر على الأرض.. و(تصهين).. والخلق يختصم جراها ويشتجر..!
إذن كان بيان الخارجية السودانية واحدا من المناسبات النادرة التي اهتم المصريون بالرد فيه.. فما الجديد في البيان..؟ صحيح ليس ثمة جديد في نصوص البيان.. ولا في الموقف السوداني الذي اعتاد عليه المصريون.. واعتادوا كذلك ألا يعيروه اهتماما.. فلمَ هذه المرة..؟ الإجابة أن ثمة عنصرا جديدا.. وهو ظهور المملكة العربية السعودية.. كطرف ذي صلة.. سيما وأن السودان سبق وأن طلب العون السعودي لاستعادة أراضيه.. إذن هل هي محاولة مصرية استباقية لتحييد المملكة إن لم يكن كسب توقيعها..؟ ربما.. ولكن ما هو الموقف السعودي..؟
نظريا بالطبع تستطيع المملكة العربية السعودية أن تقود وساطة مباشرة بين الدولتين لحمل البلدين على التفاوض المباشر.. بل والمساعدة في إيجاد حل توفيقي يقنع الطرفين وينزع فتيل الأزمة.. لكن مثل هذا الدور يكون متاحا في حال إقرار الطرفين أن ثمة نزاعا يحتاج لتسوية.. ولكن في حال إصرار أحد الطرفين على عدم وجود نزاع أصلا.. فكيف تتصرف المملكة..؟ هذا سؤال مفتوح على عدة احتمالات.. فما هو خيار السودان..؟ في بيانه الرسمي عبر وزارة الخارجية طرح السودان خيارين.. إما التفاوض المباشر لحل الأزمة.. أو قبول اللجوء إلى التحكيم عبر المؤسسات القانونية الدولية.. ولكن المؤكد الآن أن الخيارين لا تتساوى فرص الأخذ بهما لدى السودان.. فإصرار الخرطوم على ان تلعب الرياض دورا من جهة.. ثم الأخذ في الاعتبار لخصوصية العلاقة مع المملكة.. الشقيقة الكبرى في نظر السودان.. سيضاعف من فرص الأخذ بخيار التفاوض المباشر بين البلدين.. بوساطة سعودية.. تفاديا للدخول في مواجهة قانونية مع المملكة حال كان الاتفاق السعودي المصري قد أخذ بخيار الخط المستقيم على خط العرض 22 شمال كحدود جنوبية لمصر.. ولكن ماذا يمكن أن تفعل المملكة حال رفضت مصر الحضور إلى مائدة التفاوض أصلا..؟ غدا نرى..!