منى ابوزيد

التاريخ يعيد نفسه بتَوجُّس ..!


“يالهول الفكر من هول البشاعة .. حينما تَنحط ُّنفس الآدميّ الفج للأسفل من جُبِّ الوضاعة .. حينما ترتد للوحشية الأولى وتنسى الآدمية .. يالهول الفكر .. في قرننا العشرين .. قرن العبقرية .. عصر إنسانية الانسان .. عصرالمدنيَّة” .. صلاح أحمد إبراهيم ..!
رحم الله صلاح أحمد ابراهيم .. الشاعر الرقيق في وصف خيبات مجتمعه .. الدقيق في نقد واقعه السياسي .. تُرى لو عاش بضعة وعشرين عاماً أخرى وعايش يومنا هذا .. كيف كان سيكون طعم وُلوج غابة الأبنوس .. كيف كانت ستُضحى حدود غَضبة الهبباي .. أستغفر الله العظيم ..!
الكاتب الصحفي الذي يكرر أفكاره كل شهر يحصد عزوف القراء .. القناة التلفزيوينة التي تكرر برامجها كل أسبوع تجني انصراف المشاهدين .. الشخص الذي يكرر إساءاته كل يوم ينفض الناس من حوله .. فكيف هو الحال مع الحكومات التي تكرر عجزها عن مواجهة التغيير كل عقد من الزمان .. كيف هو الحال مع السلطات التي تكرر نهجها العنيف الفاشل في إخماد العنف واحتواء الأزمات ..؟!
ذات نهار من نهارات أواخر يوليوعام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين، أمام مدخل كلية القانون بجامعة الخرطوم، وعدتُ زميل دراستي و«دفعتي» بذات الكلية محمد عبد السلام، بأن أعيره رواية – رآها يومها بين يدي – الأسبوع القادم .. لكن موعدنا المضروب في الأسبوع القادم جاء مشئوماً .. جاء كريهاً ومراً بطعم العلقم .. جاء ومحمد عبد السلام في ذمة الله ..!
رحل الشباب الواعد والعزم الوثاب .. تم اعتقاله بليل من داخل السكن الجامعي، في أعقاب أحداث احتجاجات طلابية على تردّي أوضاع السكن الجامعي فارق – رحمه الله – الحياة .. في ظروف غامضة .. أعقبتها تصريحات مقتضبة .. انتقل من أيدي معتقليه إلى يد عزيز مقتدر .. لا يضيع عنده حق مظلوم ..!
خلال بضعة عشر عام أخذ التاريخ يعيد نفسه خلالها بتصرف فيما يلي الأسباب وبتطابق فيما يلي النائج والمآلات، وأخذت سياسات السلطة في إخماد العنف وقمع الإشتباكات داخل الجامعات – عشية كل موسم انتخابات – تعيد نفسها دون أي تصرف ..!
يوم أمس الأول قتل «أبو بكر حسن طه» – طالب كلية الهندسة بجامعة كردفان – وأصيب العشرات من طلاب الجامعة بجروح بعضها خطيرة، جراء أحداث عنف شهدتها الجامعة بسبب التنافس على انتخابات اتحاد الطلاب .. وبحسب بيان الوحدة الطلابية يرجع السبب الرئيس في اندلاع العنف إلى منع الطلاب من تفعيل حقهم القانوني بتقديم القائمة الانتخابية .. لأجل هذا – ولأجله فقط – أريقت دماء طاهرة وأزهقت روح غضة .. في عهد مسؤولين – غير مسؤولين – يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ..!
عزيزي القارئ .. من حقك أن تقلع عن حسن ظنك .. من حقك أن تتشاءم .. من حقك أن تتحسس رأسك .. من حقك أن تتوقع الأسوأ .. ما حدث في جامعة كردفان ما هو إلا صورة شمسية لبوستر صخب قادم .. وجبة (سناك) خفيفة تبشر بوليمة عنف كبرى .. مالم تقلع السلطات في بلادنا عن عنفها في قمع المعارضين وترويع المخالفين لكي تنال هي شرف اطمئنان الحكومة ..!
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا .. اللهم إنا نشكو إليك ضعفنا وهواننا على جبابرة السياسات .. وذيول السلطات .. وأذناب الحكومات ..!