احلام مستغانمي

هناك شيء اسمه «سُلطة الاسم»


وهناك أسماء عندما تذكرها، تكاد تُصلح من جلستك، وتُطفئ سيجارتك. تكاد تتحدَّث عنها وكأنَّك تتحدَّث إليها بنفس تلك الهَيْبة وذلك الانبهار الأوَّل.
ولذا.. ظلّ لاسم سي الطاهر هَيْبَته عندي. لم تقتله العادة ولا المعاشرة، ولم تحوّله تجربة السجن المشترك، ولا سنوات النضال، إلى اسمٍ عاديّ لصديق أو لجار. فالرموز تعرف دائمًا كيف تُحيط نفسها بذلك الحاجز اللّامرئي، الذي يفصل بين العادي والاستثنائي، والممكن والمستحيل، في كلّ شيء.
ها أنا أذكره في ليلة لم أحجزها له..
وبينما أسحب نَفَسًا من سيجارة أخيرة، يرتفع صوت المآذن مُعلِنًا صلاة الفجر. ومن غرفة بعيدة يأتي بكاء طفل أيقظ صوته أنحاء كلّ البيت..
فأحسد المآذن، وأحسد الأطفال الرضّع، لأنَّهم يملكون وحدهم حقّ الصّراخ والقدرة عليه، قبل أن تروّض الحياة حبالهم الصوتيَّة، وتعلِّمهم الصمت.
لا أذكر من قال «يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلّم النطق، وتقضي الأنظمة العربيّة بقيّة عمره في تعليمه الصمت!».
وكان يمكن الصمت أن يصبح نعمة في هذه الليلة بالذات، تمامًا كالنسيان. فالذاكرة في مناسبات كهذه لا تأتي بالتقسيط، بل تهجم عليك شلّالًا يجرفك إلى حيث لا تدري من المنحدرات.
وكيف لك لحظتها أن توقفها دون أن تصطدم بالصخور، وتتحطَّم في زلّة ذكرى؟
وها أنت ذا، تلهث خلفها لتلحق بماضٍ لم تغادره في الواقع، وبذاكرة تسكنها لأنَّها جسدك.
” ذاكرة الجسد “