تحقيقات وتقارير

غياب المواصلات ومخاطر “فضل الظهر” الراجلون “أنصاص الليالي” من الرجال والنساء


وامرأة تحمل طفلاً في (أنصاص الليالي)، أجبرتها ظروف ما على الوجود في هذا المكان، باحثة عن عربة تقلها إلى حيث تريد الذهاب.. تتابع ببصرها (الفارهات) تولي مبعدة دون توقف.. المرأة لا شك أنها تركت صغارها الآخرين في المنزل، فنظرة الجزع تنبئ عن ذلك.. فلحظة توقف إحدى السيارات هرعت نحوها، واستجدت سائقها ليأخذها إلى وجهتها، إن كانت في طريقه، بيد أنه ردَّها معتذراً..

فضيلة وخصلة جميلة
فضل الظهر، فضيلة إسلامية واجتماعية، فاعلها يحمل جميل الخصال، ونبيل الطباع، وحسن الظن في الناس، ولهذه الصفة الأخيرة، مدعاة هنا، نذكرها لاحقاً. وقال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في حديث نقله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه “من كان معه فضل ظهر فليَعُدْ به على من لا ظهر له.. الخ الحديث”.. فالنبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وجَّه ببذل فضل الظهر لمن يحتاجه، حثاً على مساعدة المحتاج ومواساة لهم، إبقاءً للتكافل والتعاون الاجتماعييْن بين الأفراد.

ولا شك أن مجتمعنا السوداني فيه الكثير من الخير في ذات الجانب.. والكثيرون من (ممتطي الأرجل) مروا بمواقف تؤكد ذلك، وقد حملهم أصحاب سيارات نحو وجهتهم، كرماً أو عطفاً أو صحبةً، إلا أنه في الآونة الأخيرة برزت ظواهر – لا شك – دخيلة على مجتمعنا، جعلت الكثيرين يتولى نفوسهم الخوف، من اندثار قيمة (فضل الظهر).. فسائقو وأصحاب سيارات حكوا أنهم وقعوا مرات عدة ضحايا احتيال ونصب، نفذه فيهم أشخاص منهم نساء يبحثون عن فضل الظهر، لذا توقف كثيرون من سائقي سيارات عن حمل أي فرد يجدونه في طريقهم، خصوصاً ليلاً.. وهو الوقت الذي يتطلب أكثر (فضل الظهر).. بسبب قلة المركبات العامة أحياناً.

شرك أنثوي
حدثني أحد الضحايا مرة أنه وقع لـ (شرك) امرأة هددته بعد أن حملها على عربته، لإيصالها إلى وجهتها بكل حسن نية، هددته بأن تتهمه بالتحرش بها إن رفض منحها مبلغاً – حددته له – من المال، وكاد يرضخ لولا هداه تفكيره إلى الذهاب بها إلى قسم شرطة، وما فاجأه أن المرأة متعهدة لديهم، وحكايات كثيرة رُويت عن ضحايا فضل الظهر، ولكن بالطبع ليس كل من يبحث عن فضل الظهر، يحمل سوء نية، بل هناك الكثيرون من هم في أمسِّ الحاجة..
الأستاذ الجامعي د. محمد عبدالله الريح تحدث عن (فضل الظهر) في برنامج (إشارة حمراء) الذي بثته (الشروق)، في وقت سابق، قال إن الشارع السوداني ما عاد يمثل النسيج الاجتماعي الذي كان سائداً في وقت مضى. في إشارة منه إلى تغيُّر بعض السلوكيات لدى أفراد المجتمع. وأضاف الريح – في ذات البرنامج – أن (فضل الظهر) يمارس في دول عديدة بصورة حضارية جداً.

الشماعات
وما يؤسف له حقاً، أن أصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون هذه القيمة الإنسان، أجرموا في حق كثيرين يبحثون – فقط – عن من يحملهم على ظهر دابته.. ولولاهم لما وُجِد من يقف الساعات باحثاً عن مقعد – حتى لو كان مهترئاً – أو (شماعة) في حافلة أو بص، ولما كان هناك ازدحام كم نرى الآن، خصوصاً في هذا الزمان الذي يفعل فيه سائقو مركبات المواصلات ما يحلو لهم وما يمليه عليهم مزاجهم، والذي قلَّ – بل انعدم – فيه الرقباء من المسؤولين. ولا نلوم الذين يرفضون حمل محتاجي فضل الظهر على سياراتهم، فلا يمكن الحكم على الناس بظواهرهم.
فالمرأة التي تحمل طفلها في (أنصاص الليالي) عانت وتعبت لأنها وقفت لساعات، لم تجد مركبة مواصلات تقلها، ولم تجد فضل ظهر متاحاً، فالأمر يحتاج إلى وقفة قوية تعيد إلى المجتمع تكافله، وكذلك ثقة الناس في الناس، وعدم الريب في كل من هم بجانب الطرقات أو في مواقف المواصلات يبحثون عن من يقلهم..

عصمت عبدالله
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد