عبد الباقي الظافر

البنسلين يا تمرجي ..!!


* أذكر أنه قبل نحو عامين كان وكيل وزارة الخارجية السفير عبد الله الأزرق يحشرنا في قاعة صغيرة ليحدثنا عن حتمية وقرب خروج قوات (اليوناميد) من دارفور.. قال الشاعر العظيم فيما قال إن وجود هذه القوات الأجنبية ساهم في ارتفاع أسعار الدولار في السودان.. فسألته كيف يحدث ذلك ..بل من المنطق أن تكون النتيجة عكسية تماماً..عسكر الأمم المتحدة يأخذون أجورهم بالدولار ثم يحولونها في السوق إلى جنيهات سودانية ..هنا يزيد المعروض فيستلزم انخفاض الدولار لا إرتفاعه..الحق أن الوكيل تراجع عن إدعائه والذي أعتقد كان عن قلة معرفة، فالرجل بعيد عن تخصص الاقتصاد وقريب من الأدب وضروبه .
* كان البرلمان يناقش البارحة انخفاض قيمة الجنيه السوداني .. يحدث هذا ووزير ماليتنا يستمتع بأجواء الربيع في الولايات المتحدة الأمريكية..ولا أدري أن الوزير ووفده الموسع سيبيعون عائد دولارات الرحلة في السوق الأبيض أم يتعاملون بمنطق (دار أبوك كان خربت) ..وبما أن التشخيص الصحيح غالباً ما يفضي إلى علاج صحيح، فتعالوا معنا إلى رؤية نوابنا الأفاضل تحت قبة البرلمان.
* النائب قريب حماد اتهم جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا المعروفة في الأوساط الشعبية بجامعة مأمون حميدة بأنها تسببت في أزمة ارتفاع الدولار ..النائب يحتج على ارتفاع رسوم القبول في كليات جامعة واحدة ويحملها انهيار سعر العملة الوطنية..الحقيقة أن الانفاق على التعليم الخاص يفترض ان يؤدي إلى انخفاض الدولار لا ارتفاعه..معظم الطلاب الذين يشملهم التعليم الخاص من أبناء المغتربين.. وبما أن الجامعات لا تشترط أن يكون الدفع بالعملة الصعبة، فهذا يعني مزيداً من تحويلات المغتربين التي من المفترض أن تساهم ايجاباً لا سلباً ..حتى الطلاب الأجانب الذين اختاروا الجامعات السودانية يرفدون الخزينة العامة ببعض العملات الصعبة..رغم التكلفة العالية للقبول الخاص، إلا أنها أقل من الجامعات الأجنبية ..لهذا يفضل أولياء أمور الطلاب الجامعات المحلية.
على ذات المنوال في التشخيص الخاطيء أكد حبيب مختوم النائب بالبرلمان أن تهريب الذهب أدى لارتفاع سعر الدولار ..حسب مختوم فإن سبعين طناً من الذهب تهرب إلى الخارج..السؤال لماذا اضطر التجار إلى المخاطرة والمجازفة بتهريب الذهب..بنك السودان كان من قبل يشتري الذهب بسعر عال، وبالتالي يضطر إلى زيادة عرض النقود ..حينما توقف البنك المركزي بحث التجار عن مسارات إلى الخارج..لكن حتى هذا لا يعتبر تهريباً بل تصديراً من جانب القطاع الخاص..عوائد الذهب تعود بشكل أو بآخر لذات المنتجين المقيمين بالخرطوم ..هذا يعني انخفاضاً في أسعار الدولار بسبب تقليل الضغط على الدولار المحدود في السوق المحلي.
رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان يقر أن الصادرات في الربع الأول من العام الجاري انخفضت مقارنة بذات الفترة من العام الماضي ..رغم ذلك يؤكد الدكتور أحمد المجذوب أن المؤشرات الاقتصادية إيجابية .. زميله في الحزب والبرلمان حبيب مختوم كان صريحاً حينما أكد أن ميزان التجارة الخارجية يواجه عجزاً يقدر باربعة مليار دولار..هنا تكمن المشكلة التي تحتاج إلى حل عاجل ..نحن نستهلك أكثر مما ننتج.
في تقديري ..فشلت الحكومة سياسياً في التعاطي مع المشكلة الاقتصادية ..وزير المعادن بشرنا أن هذا العام سيشهد دخول منتجات الشركة الروسية للأسواق..انقضى ربع العام ولا مؤشرات لذهب الكاروري ..دبلوماسيتنا فشلت في استثمار الانفراج في علاقتنا مع الخليج العربي..مصر أخت بلادي استثمرت ثقلها السياسي بين العرب، فبنت على اليم جسراً..كل نصيبنا مجرد وعود ومحطتين للمياه بالخرطوم.
* بصراحة..واحدة من مشكلات هذه الحكومة أن معظم خبرائها لا يدرون.. والذين يعلمون يخشون من قول الحقيقة التي تغضب الحكام.