جعفر عباس

مـا السِّـر فـي «عـبـاس» والإفـــلاس؟


فاقت شهرة هاشم عباس صيت جعفر عباس وأبو نواس بل حتى عباس بن فرناس، وكتبت عنه الصحف من اليابان إلى هندوراس، وإذا لم تسمع بحكايته فإليكها: هو سوداني يعمل موظفا في دائرة البلدية في دولة خليجية، وذهب إلى البنك ليسحب 3500 من عملة تلك الدولة وكان ذلك ما يعادل نصف راتبه الشهري، واكتشف أنه «كان ثريا» من دون ان يعطيه شخص ما «خبرا» بذلك، فالورقة الصغيرة التي تسلمها وتحتوي بيانات ما تبقى في رصيده البنكي أفادت بأن لديه أكثر من مليون ونصف المليون دولار ولأنه «مش وش نعمة» فقد أبلغ البنك فورا بأن في الأمر خطأ، وأن عليهم استعادة ملايينهم من حسابه. خلّ بالك وركِّز معي: مستند رسمي من البنك قال له هذه الملايين بتاعتك وتخصك فيقول هو للبنك: لا الفلوس هذه بتاعتكم وتخصكم.
هناك سرّ في اسم عباس.. ويبدو أن من يحملونه مكتوب عليهم الإفلاس والوسواس.. عندك هاشم عباس وعندك جعفر عباس وعندك محمود عباس (أبو مازن) الذي لا ترضى به حماس، وتخطط لتصفيته الحركة الصهيونية المتطرفة «شاس»، لدرجة أنه صار غير راض عن نفسه وهدد مرارا بخلع السلطة والمنصب.. أستطيع ان أورد قائمة طويلة من الفقهاء والعلماء الذين يحملون اسم عباس ولكنني لم أسمع بلاعب كرة او مليونير خمس نجوم اسمه عباس (وعباس بن فرناس نال شهرة لا يستحقها، فقد حاول الطيران مستخدما ريش الطيور فسقط وهلك).
لنبق مع بلدياتي هاشم عباس، الذي رد الملايين للبنك ونال عاقبة هذه الخطوة الساذجة، فما حدث هو ان البنك لم يقل له: برافو يا أبوالهشم العبسي الله يكثر أمثالك الأمناء القنوعين العفيفين الذين لا يريدون الثراء الحرام، بل عاقبه على أمانته (ولهذا ولأسباب أخرى وصفت إرجاعه الملايين للبنك بالسذاجة).. لم يعطوه نسبة عشرة في المائة التي يحصل عليها كل من يرد او يسلم مبلغا يخص الغير للجهات الرسمية، بل لم يعطوه خطاب شكر.. جمدوا حسابه عندهم.. موظف او كمبيوتر غبي جعل هاشم مليونيرا من دون ان يستأذن منه، وبدلا من معاقبة الموظف المهمل والمقصر أو قطع أسلاك الكمبيوتر الغبي، عاقبوا هاشم عباس… ولكن جهة عمله كرّمته وأعطته راتب شهرين مكافأة.
كثيرا ما تساءلت: لماذا لا تخطئ البنوك معي وتضع في حسابي ملايين لا تخصني او أسحب ألفين من الصراف الآلي فيعطيني 200 ألف؟ هل كنت سأحتفظ بتلك النقود رغم علمي بأنها لا تخصني؟ نعم بالتأكيد!! ولكن لأجل معلوم.. كنت سأبلغ البنك فورا بحدوث الخطأ ولكنني كنت س«أأخذ» راحتي في رد النقود: هاتوا مستندات تؤكد أن هذه المبالغ فعلا لا تخصني؟ هاتوا دليلا على ان الموظف المتسبب في الخطأ لم يتعمد ذلك لتدبيسي في جريمة غسل أموال أو اتهامي بتمويل «القاعدة».. كل هذا أمام القضاء والشرطة كي لا يسبقوني بالشكوى إليهم ويتهموني بالسرقة.. ولازم ولا بد أن أعرف اسم الشخص الذي جردوه من الأموال التي حولوها إلى حسابي كي «توسع الحكاية وتصير فضيحة».
للبنوك أفانين في بهدلة العباد، ولا بد ان نقف لها بالمرصاد.. وإذا كان بنك ما يطالبك بعشرة دولارات فإنه على استعداد لإنفاق مائة دولار في المراسلات والمكالمات لتهديدك وخلال أيام قليلة تجد جرس المزاد يرن أمام بيتك او سيارتك.
أخي هاشم أنت أغنى من البنك التعيس الذي لا يعرف ان اسمك فيه كل حروف «الشهامة».. وأشكرك لأنك رغم ما قد تعانيه من الإفلاس رفعت اسم عباس.. الإفلاس الحقيقي ليس الافتقار إلى النقود، بل الافتقار إلى القيم التي تعفيك من التعرض للقصاص والحدود.