جعفر عباس

عليكم بالكاكاو وكل ما هو أسمر


صار الأطباء يعانون من الاكتئاب الجماعي بعد أن أثبت باحثون في مجال التغذية أن أكل حلوى الشوكولاتة يوفر الوقاية من أمراض الأوردة والشرايين، وليس مرد الاكتئاب ذاك هو أن الأطباء يريدون لنا أن نعاني من تلك الأمراض. بل إنهم مغرمون بحرماننا من كل ما تشتهيه النفس من أطعمة، وأصبحت موضة أن تذهب إلى الطبيب لتشكو من تسيب حنفية الأنف فيطلب منك أن تصعد إلى الميزان، فتقول الممرضة ان وزنك «55» كيلو جراما، فيكشر الطبيب عن أنيابه ويأمرك بالتوقف عن أكل الخبز والأرز والمكرونة واللحم والخضراوات وينصحك بعدم تناول المشروبات السائلة. ثم يضيف: أما إذا أكلت أي نوع من الحلوى، فإنّ جيوبك الأنفية ستمتلئ بالسوس والديدان وستعاني من طفح مجاري الأنف، ما قد يستوجب إغلاق أو استئصال إحدى فتحتيه!!
المهم بإمكانكم الآن -وعلى مسؤوليتي- أن تتعاملوا مع الشوكولاتة على النحو التالي: إصبعان على الريق.. وإصبع قبل الغداء وثلاثة قبل النوم، ثم تنام بقلب جامد واثقا من أن الشوكولاتة ستحرس قلبك حتى الصباح.. أما إذا تسببت الشوكولاتة في ارتفاع نسبة السكر في دمك فعليك بالجبن الأبيض الكامل الدسم!! وإذا سبب لك الجبن ارتفاعا في ضغط الدم بسبب احتوائه كمية كبيرة من الملح، أو الكوليسترول لأنه عالي الدسامة فعليك بالصلاة لأنها منجاة صلاة بالتقسيط.
كتبت هنا من قبل عن خطرفات إدارية في سياق تعميم يدعو الموظف بإخطار الشركة مقدما بوفاته، ولا يعترف بالمرض كعذر يبيح التغيب عن العمل (يقول التعميم: طالما أنك قادر على الذهاب إلى العيادة الطبية لمقابلة الطبيب فأنت قادر على الوصول إلى مكان العمل)، كما أنه «ممنوع تماما على الموظف إجراء عملية جراحية لإزالة أي عضو من جسمه، لأنّ ذلك يخرق شروط التعاقد بينه وبين جهة العمل، لأنّ التعاقد تم على أساس تشغيل الموظف كاملا – كله على بعضه – وبفقدان عضو كالزائدة الدودية أو اللوزتين يعتبر الموظف ناقصا ومختلفا عن الشخص الموقع عقد العمل»، وينصح ذلك التعميم الموظف بأكل ضفدع على الريق، ليكون مهيئًا لمواجهة أسوأ الاحتمالات أثناء ساعات العمل.
وأمر هذا التعميم وتفاصيله المضحكة معروف لدى كثيرين، لأنّ من حبكه وصاغه وسبكه كان يتهكم على لوائح العمل السخيفة، التي تتعامل مع الموظف والعامل كرقم وليس ككائن من لحم ودم معرض للمرض والحزن والنكبات التي تعوقه عن أداء واجباته الرسمية.
وإذا بالسخف الإداري المطبق على أرض الواقع يجعلني أعتبر محتوى ذلك التعميم في منتهى الحكمة، فقد حكى لي صديق عربي تجربة عايشها عندما كان يعمل في شركة عربية يديرها أجانب، وكما قلت مرارًا فإنّ معظم الأجانب والأوربيين منهم خاصة الذين نأتي بهم إلى بلداننا كخبراء من حثالة الحثالات ولا مؤهلات حقيقية لهم سوى عيونهم الزرق ولون جلدهم الأبرص، وهم يأتون إلى بلداننا وهم يعتقدون أنهم فاعلو خير، دورهم بيننا أن يعلمونا حتى كيف نستحم وننظف أسناننا، (مع أن معظم أبناء قراد الخيل هؤلاء لا يستحمون إلا مرتين في الأسبوع حتى في الصيف).
المهم أن خواجة أصبح مديرا لتلك الشركة لاحظ أن الموظفين المسلمين يغيبون نحو نصف ساعة عن مواقعهم لأداء صلاة الظهر ففكر ثم قدر، ثم نظر في الأمر ثم عبس، ثم ابتسم عندما برقت في دماغه فكرة ألمعية فأصدر تعميمًا فحواه أن الشركة تحترم المشاعر الدينية للمحمديين (في أدبيات غربية كثيرة يشار إلى المسلمين بالمحمديين mohammedans من باب نفي صفة السماوية عن الإسلام، وبحيث يصبح المسلمون في مصاف من ينسبون إلى أنبيائهم وآلهتهم مثل البهائيين والزرادشتيين والبوذيين وشهود يهوة، وبالتالي يصبحون أتباع «شخص ما» لنفي أنهم يعبدون الله الواحد الأحد الفرد الصمد).
ويمضي التعميم مذكرًا الموظفين المسلمين بأن العمل عبادة (لابد أن المدير هذا استعان في صياغة هذا التعميم بمسلم بالتجنس، لأنّ هذا الصنف من المسلمين يستشهد بالقليل الذي يعرفه من الكتاب والحديث لتبرير الخروج على تعاليم الكتاب والحديث)، ثم يذكِّر التعميم الصادر عن الخبير الأجنبي ذي البشرة الفاتحة من اسماهم بالمحمديين أن غيابهم جميعًا لأداء الصلاة دفعة واحدة يؤدي إلى إرباك العمل وعليه ينبغي على كل إدارة وقسم إعداد مناوبات (شفتات) للصلاة، بحيث يؤديها الموظفون على دفعات تصلي دفعة ثم تعود إلى مواقعها لتذهب دفعة أخرى لأداء الصلاة وهكذا دواليك. (ولا أدري ما إذا كانت الجهة التي يديرها هذا الخواجة تعمل حتى بعد مغيب الشمس فيضطر الموظفون المسلمون إلى أداء صلاة المغرب «قضاءً» ما لم يكونوا محظوظين بأدائها ضمن الدفعة – الشِّفت – الأولى).
ويبدو أن الخواجة هذا كان ديمقراطيا جدًا، لأنه أضاف أنَّ المجموعة التي تفوتها صلاة يوم معين، ستمنح وقتًا إضافيا في اليوم التالي لأدائها، وفات على الرجل أن يقترح أيضًا نظاما لضربات الجزاء الترجيحية، طالما أنه أراد تطبيق قوانين مباريات كرة القدم على الصلوات، والعياذ بالله.