الصادق الرزيقي

ما بعد الاستفتاء..(1-2)


> هذه قضية للنقاش، لابد من تناولها بوضوح وصراحة وسعة صدر، بين كل مكونات ولايات دارفور بعد فوز خيار الولايات في الاستفتاء الذي أعلنت نتيجته أمس بنسبة ساحقة وكاسحة. ولأن مستقبل هذا الجزء من السودان سيرتبط بنتيجة الاستفتاء، كما أن الحوار الوطني أرجأ الفصل في لجنة الحكم والإدارة حول كيفية حكم البلاد بنظام الولايات ام العودة للأقاليم، فإن ما تمخض عن عملية الاستفتاء، حسم بشكل نهائي أي جدل في هذا الاتجاه، لكن منطقة دارفور كلها بولاياتها مقبلة على تطورات جديدة لابد من طرحها هنا وتحرير النقاشات والجدال السياسي بشأنها. > يدور من فترة طويلة حديث ذو أهمية كبيرة حول حدوى احتفاظ ولايات دارفور بالاسم الموروث من أيام سلطنة الفور، ولم تعد هناك من الناحية الدستورية أو القانونية ما يمنع الولايات من الاستفتاء لاختيار أسماء لها، ومفارقة الاسم المرتبط بالماضي وبقضية أزمة الصراع الذي جرى منذ العام 2003م، فليس هناك ما يلزم الولايات الخمس باسم تاريخي واتجاه جغرافي، فكل ولاية أخذ اسمها من مسمى دار فور، مسبوقاً بموقعها الجغرافي في أرض هذه المنطقة الشاسعة بحجم فرنسا. > اذا كان خيار الاستفتاء صمم للاختيار ما بين الإقليم والولايات واستحقه أهل الولايات من نص وثيقة الدوحة، فإن مواطني الولايات وبمنطق الأشياء بعد أن اختاروا خياراً غير الإقليم، مما يعني عدم رغبتهم في الكيان الواحد بكل ما يترتب عليه كوحدة سياسية وإدارية، بات من حقهم اختيار خيارات أخرى في مقدمتها أسماء ولاياتهم بعد أن أصبح الإقليم نفسه في «خبر كان»، وانتهى الارتباط العضوي بينها وأصبح التنافس والتعاون والتنسيق هو الرابط الممكن بين الولايات الخمس، ولا يشكل الاسم أي حافز أو عامل من عوامل التقدم أو النهضة أو الوحدة، وليس له إلا بعده الماضوي، وإذا جرد من ذلك، فإن البعض، أو قل الكثير من أبناء الولايات يعتبرونه اسماً مرتبطاً بقبيلة نُسبت إليها كل المنطقة كدار لها، وكرَّس الاستعمار ونظمه الإدارية للتعامل مع هذا الاسم. > وما يُقال هنا تم طرحه من قبل، وجرى تداوله في أزمنة وفترات مختلفة، ولكن من دون أية حساسية مفرطة، لا يمكن إعطاء المواطن الحق في كيفية الحكم ولا تتاح له نفس الحقوق في تسمية ولاياته التي اختارها، ونذكر هنا، إنه في العام 1994م عندما أعلن عن تقسيم السودان الى ولايات واعتماد النظام الفيدرالي تم طرح هذه الفكرة في يوم تسمية الولايات في كل السودان وهن خمسة وعشرين ولاية يومئذ، تصدى السياسي الجنوبي أنجلو بيدا وكان يومها نائب رئيس المجلس الوطني، وقدم اقتراحاً للمنصة وكان يتوسطها الدكتور علي الحاج وزير الحكم الاتحادي في ذلك الوقت، وطالب بأسماء جديدة لولايات السودان بدلاً عن الأسماء التي اختارها المستعمر الإنجليزي المديريات، وضرب مثلاً بالولاية الشمالية والولاية الشرقية والاستوائية غرباً وشرقاً وكردفان ودارفور. > وسبق ذلك نقاش عميق في أروقة الحكم حول أسماء الولايات واقترح لدارفور أسماءً لولايتها، لكن تلك الفكرة لم تجد طريقها للتحقيق، وفضل الإبقاء على الاسم القديم . وعندما تفجرت الأزمة وظهر التمرد، سعت جهات خارجية والحركات المتمردة على توظيف الاسم وعدم مراعاة خصوصية الولايات في الربط بين التمرد وكامل الرقعة الجغرافية والترابية المسماة دارفور، بالرغم من أن أجزاء واسعة لم تشهد تمرداً ولم تكن طرفاً فيه. > اليوم بعد حسم نتيجة الاستفتاء، يجب أن نفكر جميعنا في تغيير ما فرضته الجغرافيا وحكم به الماضي والتاريخ. فمن المصلحة أن تسمى ولاية وسط دارفور وهي منطقة تعد من أغني وأجمل الولايات باسم أهم معلم جغرافي في كل السودان وهو جبل مرة، وليكن اسم جبل مرة هو اسم هذه الولاية الفتية لما يمثله الجبل من اعتبارات وحياد لا صلة له بقبيلة او عنصر، ولتكن ولاية غرب دارفور هي ولاية أزوم نسبة لوادي أزوم العظيم الذي يلتقي بوادي كجا وهما يلتقيان في منطقة فورو برانغا ليسبان في تشاد، ولتكن ولاية جنوب دارفور هي ولاية نيالا او البحير منسوبة لاهم مدن السودان التجارية والاقتصادية وذات الكثافة السكانية العالية، ولتسمى ولاية شرق دار فور بولاية بحر العرب للنهر الذي يفصلنا عن دولة جنوب السودان وله أثر بالغ في التاريخ والحاضر والمستقبل، ولتصبح ولاية شمال دارفور هي ولاية الفاشر أو أي اسم آخر يرمز الى تاريخها ودورها على مر العصور.. ونواصل…