تحقيقات وتقارير

تهريب البشر.. هواجس أوربا وشواغل السودان


عثمان الأمين علي
تنامت في الأونة الأخير ظاهرة تهريب البشر، والتي تعتبر من الظواهر العالمية السالبة التي استفحلت في السنوات الأخيرة وهي تتجه من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية (أوربا – أمريكا – أستراليا). ويعتبر السودان معبراً للمهاجرين من بعض الدول خاصة (أثيوبيا – الصومال – أرتيريا) وتمثل الولايات الشرقية نقطة تجمع بالإضافة إلى ولاية الخرطوم والتي تمثل نقطة عبور لعمليات التهريب إلى الخارج عن طريق البر.
يشكل الموقع الجغرافي للسودان والحدود الطويلة الممتدة الخالية من الحواجز الطبيعية أهم عوامل جذب للمهاجرين غير الشرعيين والعابرين إلى أوربا، كما شكل طول الحدود الشرقية مع دولتي أثيوبيا وأرتيريا عامل أساسي في تدفق مجموعات كبيرة من مواطني هذه الدول بحثاً عن فرص عمل وهرباً من الأوضاع الغير مستقرة بهذه الدول. يطلق علي هذه الظاهرة مسميات أخري (الجريمة المنظمة – الإتجار بالبشر – تهريب البشر – الهجرة غير الشرعية).
أهتمام دولي وإقليمي:
وفقاً لإحصاءات وتقارير أممية فإن عدد ضحايا التهريب والإتجار بالبشر خلال العام (2011م – 2012م) تجاوز الـ “615.55” شخصاً خاصة وأن عمليات الإختطاف أصبحت تستهدف معسكرات اللاجئين وطالبي اللجوء علي الحدود السودانية مع أرتيريا وأثيوبيا.
كما أوردت منظمة الهجرة الدولية في تقريرها للعام (2015م) أن عدد المهاجرين غير الشرعيين حول العالم قد وصل إلى “50” مليون مهاجر وقع منهم “20” مليون ضحية ما يعد إتجار بالبشر وأشار التقرير إلى أرتفاع عدد الذين لقوا حتفهم واختفوا قبل الوصول إلى البلاد التي كان ينوون الهجرة إليها.
وقد عبرت الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية الحقوقية الناشطة عن قلقها من أن شرق السودان بات معبراً لعصابات تهريب والإتجار بالبشر، كما أشارت إلى ضرورة التحرك الدولي والإقليمي بشكل جاد للتعامل مع الأمر وأن المشكلة ليست مشكلة السودان وحده أنما هي شبكة تتحرك في عدد من الدول.
كيف تتم عملية التهريب؟
بحسب (تسفاي قرما) أحد الناجين من عصابات تهريب البشر فإن عملية الترحيل طويلة وشاقة، حيث يتم التجميع من معسكرات اللاجئين الأريترين بأثيوبيا بواسطة سماسرة ويتم أدخالهم عبر عربات إلى داخل الحدود السودانية بواسطة بعض العناصر ومنها إلى الداخل بطرق خلوية غير مطروقة. بعدها تتم عمليات تنسيق مع عناصر ليبية لإستلام المهربين عبر الصحراء إلى ليبيا حيث تنتظرهم عصابات تهريب ويتم ترحيلهم إلى بنغازي وطرابلس وعبرها إلى الشواطئ الأوربية.
مزيد من المال مزيد من العناء:
وأشارت (مارتا لويس) لاجئة أريترية، أنها قد أنفقت أكثر من خمسة ألف دولار لتصل إلى الشواطئ الأوربية. فقد دفعت في رحلة الوصول إلى الخرطوم مبلغ “1200” دولار، ومن الخرطوم إلى ليبيا دفعت مبلغ “1500” دولار ولكي تصل إلى الشواطئ الإيطالية دفعت “2000” دولار. تقول مارتا “أن الضحايا عادة ما يتعرضوا إلى إبتزاز مالي وأحياناً يتم عرضهم للبيع بعد أستلام قيمة الترحيل منهم ليواجهوا مأساة أخري”.
اهتمام حكومي:
بحسب خبير سياسي فإن الحكومة وعلي أعلي مستوياتها قد أهتمت بمحاربة تجارة البشر حيث أجازت قانون الإتجار بالبشر عام (2014م)، وأعدت للإجتماع التحضيري لمؤتمر الإتجار بالبشر برعاية الإتحاد الأفريقي والذي والذي أنعقد في الخرطوم في الفترة من (21-22 مايو 2014م) بمشاركة دول (مصر – وأثيوبيا – وأريتريا)، بالإضافة إلى مندوبين من الإتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية ذات الصلة، مع العلم أن فكرة قيام مؤتمر للإتجار بالبشر قد تم طرحها من قبل معتمد اللاجئين بالسودان في اجتماعات المفوضية السامية للاجئين بجنيف في العام (2012م).
ولاية كسلا كانت قد سنت قانون يقضي بمعاقبة من يتورط في قضايا تهريب البشر بالسجن مدة لا تقل عن “10” سنوات أو السجن والغرامة معاً.
ودعت الحكومة المجتمع الدولي لتقديم مزيد من الدعم ، لمجابهة عمليات التهريب والاتجار في البشر عبر الحدود السودانية اتجاه أوروبا. خاصة أن عدد كبيرا من الأريتريين والأثيوبيين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبايدخلون للسودان عبر حدوده الشرقية ومنه إلى ليبيا أو مصر لعبور البحر المتوسط.
وتقوم الخطة التي أقرها الأوربيون أن تقدم 3.6 بليون يورو كمساعدة للحد من الهجرة إلي أوروبا، ويأمل السودان أن يحصل على جزء من هذا الدعم كي يتمكن من مكافحة هذه الظاهرة التي أصبحت هاجساً. فالأوضاع في مخيمات اللجوء بشرق السودان بالسيئة، وهو ما يتطلب المزيد من التمويل من الاتحاد الأوروبي لتحسين أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء، للتوقف عن السعي للذهاب إلى أوروبا.
تشير التقارير الحكومية أن الخدمات التي تقدم لهؤلاء اللاجئين في المخيمات لم تعد كما كانت في السابق، خاصة في مجال الغذاء، ولهذه الأسباب يحاول اللاجئون الهرب. ويمكن القيام بمشاريع إنتاجية على الحدود حتى يتمكن طالبي اللجوء أن يجدوا فرص عمل، بإعتبار أن غالبيتهم يبحثون عن عمل.
وتفيد مفوضية الأمم المتحدة للاجئيين أن 1100 لآجىء غالبيتهم من أريتريا يصلون إلي السودان شهرياً، و80 في المئة منهم يتمكنون من القيام بالرحلة إلي ما وراء المتوسط، في حين يؤكد السودان أن ما بين 60 إلى 70 لاجئاً يعبرون الحدود إلي السودان يومياً.
ويقول قانونيون أن هناك جهد كبيرة قامت بها الدولة للحد من الظاهرة حيث تم التشديد علي الرقابة علي المعابر التي تتم عبرها عمليات التهريب أضافة إلى ملاحقات لعناصر شبكات الإتجار بالبشر، كما تم أيضا تهئية معسكرات اللاجئين علي الحدود في الولايات الشرقية لإستقبال الضحايا كلاجئين.

اس ام سي