تحقيقات وتقارير

حلايب السودانية بعد “صنافير” و”تيران”.. التفاوض أم التحكيم؟


شيرين محمد الحسن
فى الثامن من أبريل 2016، ابرمت المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية معاهدة لترسيم الحدود البحرية وذلك أثناء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى مصر، حيث تم الاتفاق بين البلدين على إعادة جزيرتى (صنافير وتيران) لسيادة السعودية.
وفتحت هذه الخطوة الباب لتسجيل سوابق جديدة فى مسالة النزاعات الحدودية بين الدول العربية، ومن هذا المنطلق سارع السودان الى مطالبة مصر بالتفاوض حول مثلث حلايب او اللجوء الى التحكيم الدولى.
موقع جغرافى
يقع مثلث حلايب على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر، وتبلغ مساحته 20.580 كيلومتر، وتوجد بالمثلث ثلاث بلدات كبرى هي: حلايب، أبو رماد، شلاتين وغالبية سكانه هم من قبائل البجا والبشاريون والعبابدة السودانية.
وإستنادا على خارطة السودان لعام 1958م فان مدينة حلايب تتبع الى السودان وباعتراف المصريين لان الحدود السودانية تصل الى خط 24 ش وليس 22 ش مصر، وبعد قرار مصر بإقامة استفتاء قدم السودان شكوى لمجلس الامن حيث تم حفظ مجلس الأمن للشكوى ، وظل السودان يجدد هذه الشكوى سنويا.
تبعية المثلث للسودان تؤيدها الأدلة والقانونية والشواهد الديموغرافية والقرائن الواقعية رغم سيطرة القوات المصرية على المثلث بحكم الامر الواقع عقب بعد تدهور العلاقات مع مصر، وأعلنت مصرُ أن حلايب أراضٍ مصرية بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995م.
تبرز قضية حلايب على سطح علاقات السودان ومصر فى أعقاب أى تدهور يطرأ على العلاقات بين البلدين وغالبا ما يكون لاهداف سياسية، فلمصر أهداف استراتيجية بعيدة المدى من استقطاع جزء من الاراضى السودانية لكى تُستخدم للمساومة على ملفات أخرى، وكان المصريون يتوقعون ترجيح خيار وحدة السودان فى الاستفتاء على مصير جنوب السودان 2011 وبالتالى بقاء موقف السودان من مثلث حلايب مهادنا ومرنا معها فى ظل إنشغاله بقضاياه الداخلية الاخرى.
بيان الخارجية
اصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا بتاريخ 17 ابريل 2016 ومما جاء فيه أن الوزارة “ظلت تتابع الاتفاق بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية قبل وأثناء وبعد الاتفاق”. وأكدت الوزارة “حرصها الكامل على المتابعة الدقيقة لهذا الاتفاق والذي لم تُعلن تفاصيله بعد، وذلك للمحافظة على حقوق السودان كاملة غير منقوصة”.
وذلك كرد فعل على الاتفاق السعودى المصر بشأن الجزيرتين وما سيتبعه من خطوات الترسيم الحدود البحرية بينهما او السيادة على المياه الاقليمية، وبطبيعة الحال، لم يأخذ الطرفان المصرى والسعودى مسألة حلايب فى إعتبارهما، ذلك أن لمثلث حلايب كنتؤ بحرى حدود فى المياه الاقليمية يجب ترسيمها بشكل واضح والفصل فى تبعية المثلث والسيادة عليه. إذ رفض السودان الاقرار بسياسة الامر الواقع التى يحاول الجانب المصرى فرضها عليه.
الموقف القانونى
إن النزاعات الحدودية بطبيعتها تتطاول فتتوارثها الأجيال و المواقف بشأنها تُستمَد من ديمومة الجغرافيا ورسوخ المصالح الجيوبولتيكية لذلك لابد من أهمية الاحتفاظ بقوة الموقف القانوني الموروث للدولة إزاء تلك النزاعات، هذا إن لم يتم تعزيز هذا الموقف.
فالاحتكام للقانون الدولي المعروف أنه يشترط بحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية – ووفقا للخبراء- لأي دولة عضو بالمحكمة أن تعلن قبولها بالاختصاص الجبري للمحكمة ليحق لها من بعد رفع دعوى ضد دولة أخرى؛ على أن تكون تلك الدولة الأخرى قد قبلت بدورها ذلك الاختصاص، وعند النظر حول حلايب، فإننا نجد أن الدولتين مصر والسودان قبلتا الاختصاص الجبري للمحكمة الدولية، غير أنهما، كلتاهما قد قبلتاه بمقدار، فقد قيد البلدان قبولهما تقييداً يجعله بلا فائدة فيما يتعلق بنزاع حلايب.
تجارب مماثلة
نجد أن السوابق القضائية وآراء كبار الفقهاء ترجح أن التحفظ المعروف في الدوائر القانونية بـ”التحفظ التلقائي”، يجعل إعلان قبول الإختصاص الجبري باطلاً ولا أثر له. ومن ثم بادرت بعض الدول التي سجلت مثل ذلك التحفظ لأول العهد، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا، الى سحب اعلاناتها بأكملها مفضلة الانسحاب نهائياً من الإختصاص الجبري للمحكمة الدولية على البقاء فيه في ظل ذلك التحفظ، فخطورة التحفظ التلقائي تتمثل في أنه إذا ما قام السودان يوماً برفع دعوى ضد دولة أخرى تقبل الإختصاص الجبري، وكانت الدعوى مستوفية لشروط الإعلان السوداني، فان السودان سوف يخسر تلك الدعوى في مرحلة الاعتراضات الأولية، إذ أن المحكمة ستقرر على الأرجح أن إعلان السودان وقع باطلاً لتضمنه التحفظ التلقائي.
وتدرك مصر أن ماتقوم به من عمل بصمت ودأب لتعزيز موقفها القانوني، الضعيف ابتداءً، من خلال تقوية أفعال السيادة اللاحقة للاستقلال. فمصر تعلم أن احتلالها العسكري لحلايب لا يكسبها حقاً في القانون الدولي. غير أنها تراهن على أفعال السيادة الأخرى المكسبة للحقوق ومن ثم تستمر فى فرض الامر الواقع وذلك بإقامة نقاط الشرطة، إسقاط مثلث حلايب من الخرائط وإنشاء مختلف الوحدات الإدارية بالمثلث، فضلا عن إجراء الانتخابات فيه.
سياسة التمصير
سعت مصر عبر وسائل الاعلام ابراز استمرار حملة التمصير لحلايب حيث تم تخصيص ميزانية لتنمية حلايب واستكمال شبكات المياه والكهرباء والطرق وإسكان وتوطين السكان، ومشروعات للتنمية السياحية والتعدينية بالمنطقة وتكوين لجنة وزارية لإنشاء مدينة سياحية في حلايب وضمها للخريطة السياحية المصرية. استيعاب الطلاب بالمجان فى الجامعات المختلفة، تعليم الأطفال وفقاً للمنهج المصري، وانشاء المراكز الشبابية واندية المشاهدة، وخطة سكنية، وسفلة الطرق، مشاريع المياه الصالحة للشرب، ومنح المواطنين الأوراق الثبوتية المصرية ،شبكات الاتصالات. ويجب مواجهة النشاط التصعيدى المصري عبر الطرق القانونية ولابد من بذل مزيد من الجهود والسعى من إيجاد حل جذرى لقضية حلايب إما عن طريق التفاوض المباشر او التحكيم الدولى.
البعد الاستراتيجى
النشاط المصري الراهن والبعد الاسترتيجي المرتبط بالحدود ومنطقة حلايب علي وجه التحديد التي لها أهميتها الاسترتيجية في المنطقه، يكشف أن الحكومة المصرية وبعض النخب توظف ذلك لتحقيق أكثر من هدف لصالح المواقف والتقاطعات المصرية المرتبطة بمواقف السودان كملف سد النهضة والعلاقات مع الملفات الاخرى (دولة جنوب السودان، دول الخليج العربي وأرتريا) وملف الإرهاب، ومواقف المجتمع الدولي تجاه السودان وغيره.

اس ام سي