حيدر المكاشفي

فى سيرة العفش


من كثرة استخدامي للأمثلة والطرف والأقوال الشعبية في الكتابة، اعتبرني كثير من القراء مرجعاً في هذه الضروب، فصار بعضهم يرجع لي لتفسير مثل أو مقولة أشكلت عليه، صحيح إنني شديد الولع والاهتمام بالأمثال السودانية والتراث الشعبي السوداني الذي أنتجته هذه الأمة الفسيفساء عبر العصور، والذي يدل على عراقة وأصالة بائنة، ولكني لست مرجعاً فيها وإنما أنا مثلهم، أنقب وأبحث في المؤلفات وأستفسر المتخصصين وأستعين بثقافتي المحلية التي تشكلت عبر عدد من الولايات.. اعتقاد البعض بكوني مرجعاً في الأمثال والأقوال الشعبية جعل أحد القراء يسألني بلا مناسبة عن مناسبة (عبارة العفش داخل البص على مسؤولية صاحبه)، التي لم يكن يخلو منها حتى وقت ليس ببعيد أي بص من البصات السفرية في مشارق السودان ومغاربه، ومن أقصاه إلى أقصاه، حيث كان أصحاب هذه البصات وسائقوها يحرصون على كتابة هذه العبارة بخط واضح وجميل على جانبي البص من الداخل، قبل أن يدشنوا عمل بصهم الجديد بأي خط من الخطوط السفرية، قلت للسائل دعني أعود لبعض أوراقي القديمة وأفيدك بالرد كتابةً، وهأنذا أفعل وفاءً بالوعد ليس للسائل فحسب، بل لكل راغب في معرفة سبب كتابة هذه العبارة…
الحقيقة أن العبارة استوقفتني منذ زمان بعيد وطفقت أبحث وأستفسر عن مناسبتها وسببها الذي جعل أصحاب البصات وسائقيها يحرصون على ضرورة وجود هذه العبارة داخل البص، لا بد أن هناك سبباً قوياً جعل سائق وكمساري أي بص يتبرآن من المسؤولية عن أي عفش لا يوضع تحت إشرافهم على سطح البص، والمؤكد أن هناك سبباً ومناسبة جعلت سائقاً ما يفترع هذه العبارة ليتبعه الآخرون فتطبق شهرتها الآفاق، وكان أن عثرت على رواية واحدة تقول إن أحد ركاب البصات بعد زمن وجيز من ظهورها كان يحمل معه مخدرات لفّها بعناية داخل بطانية ووضعها على الرف داخل البص، وفي إحدى محطات التفتيش صعد الشرطي إلى البص وبدأ يتجول بين الركاب ويجيل النظر في ما حملوه من محتويات داخل البص على الأرفف أو تحت المقاعد، حاسته الشرطية جعلته يرتاب في تلك البطانية فجذبها، فإذا بقناديل من البنقو تتساقط من داخلها، فصاح في الركاب، من صاحب هذه البطانية، لم يجبه أحد، كرّر السؤال مثنى وثلاث، وأيضاً لم يجبه أحد، فاتجه بالاتهام إلى السائق، ولكن شاء حظ السائق السعيد أن ينتبه في تلك اللحظة أحد الركاب، وكان غافياً وغافلاً عما يدور، وقد وضع رأسه بين ركبتيه، لم يعرف من هو السائل بل أدرك فقط من السؤال الأخير أن هناك بطانية لم يظهر لها صاحب، فصاح مع آخر حرف من آخر سؤال وجهه الشرطي، إنها لي، وهكذا نجا السائق من الجرجرة والسين وجيم، بينما وقع صاحبنا في شر غفوته، وبمجرد وصول البص محطته الأخيرة ذهب السائق إلى أقرب خطاط وطلب منه كتابة هذه العبارة التي خلدّها التاريخ.


‫2 تعليقات

  1. امراه متوسطه الطول متوسطه الحجم صفرا اللون متواضعه