الطيب مصطفى

الوالي أيلا .. هل ينجح في ذلك؟!


سعدت بالنفير الذي أطلقه والي ولاية الجزيرة محمد طاهر أيلا على غرار ما أقدم عليه في وقت سابق مولانا أحمد هارون الذي نجح في حشد الناس داخل ولاية شمال كردفان وخارجها خلفه إيقاظاً لهمم فترت بعد أن كانت ذات يوم تواقة للبذل والعطاء وتحريكاً لروح همدت وتراجعت بعد أن كانت متوثبة لبلوغ المعالي .. يثب أيلا هذه المرة بنفير (نداء الجزيرة) كما وثب أحمد هارون الذي فعل بنفيره الأفاعيل، وهل من (أفاعيل) أكبر من أن يبذل (ماسحو الأحذية) و(ستات الشاي) من حر عرقهم انفعالا بالقدوة الصالحة وتفاعلا مع الروح الناهضة التي فجرها أحمد هارون في الفقراء والمعدمين الذين لا يجدون ما ينفقون بل ممن يستحقون أن يبذل لهم المال لا أن يبذلوه لغيرهم.؟
أيلا الذي قلت من قبل إن سمعته الطيبة في ولاية البحر الأحمر قد سبقته إلى الجزيرة الخضراء لتمهد له الطريق وتفرشه بالبساط الأحمر، أعلن النفير من الخرطوم وتسعف الرجل سمعته وسيرته العطرة لتفجر ينابيع العطاء في نفوس المستنفرين فكان أن بلغ حصاد النفير في يومه الأول (41) مليار جنيه، هذا علاوة على مبلغ مائة مليون دولار جاءت تجرجر أذيالها من اليابان طربا لنداء أيلا .
ظللت أقول أن دهاقنة الإدارة الحديثة من الأوربيين عامة والإنجليز خاصة يقدمون الخبرة على المؤهلات الأكاديمية، ولذلك كان للخبرة التي اكتسبها أيلا في المواقع التنفيذية التي تقلب فيها خاصة في البحر الأحمر، وقبل ذلك في وزارة الطرق والجسور أثرها في تحديد أولوياته وفي طرق المنافذ التي يوفر بها الموارد اللازمة لتطوير ولايته الجديدة وكذلك في التعرف على ما يجعل قلوب الجمهور تهوي إليه، فقد استطاع الرجل بحنكة (وشطارة)خلال ولايته على البحر الأحمر إدراك ما يعنيه الاهتمام ببورتسودان باعتبارها المدينة الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والأمنية بالنسبة للسودان، فأحدث فيها عمليات (جراحية) غيّرت من وجهها لتصبح الأجمل على مستوى المدن السودانية جميعها من حيث البنيات التحتية والنظافة، واستفاد من الميزات النسبية التي تتفرد بها وتتميز على بقية المدن مثل إطلالها على البحر الأحمر الذي يمنحها مناخاً مختلفاً خلال أشهر الشتاء، وكذلك كونها الميناء البحري الوحيد للسودان.
أحسب أن ايلا يستطيع بخبرته الثرة وبالقبول الذي يحظى به أن يفعل في الجزيرة أكثر مما فعل في البحر الأحمر، وأن يكسب رضا الجميع بعيداً عن الاستقطاب الذي أراه يتصاعد هذه الأيام حتى من داخل بيته السياسي القريب ناهيك عن الأحزاب المعارضة الأخرى التي لا أظن أن نجاحه سيسعدها شأن السياسة التي لا تعمل بفقه متجرد من الهوى والانتصار للانتماء الخاص حتى لو تعارض مع العام الذي هو الوطن الكبير .
إننا هنا في المركز نطمع في إنجاز مشروع سياسي وطني يستوعب الجميع من أجل الانتقال ببلادنا إلى مرحلة سياسية جديدة، وليت أيلا يعبر عن هذه الروح المتسامحة ويقدم أنموذجاً يحتذى وهو يخوض غمار العمل السياسي الديمقراطي في وطنه الصغير والذي أعني به ولايته سواء في التعامل مع مكونات حزبه السياسي أو مع بقية القوى السياسية التي ستكون معيناً له أن هو منحها من الحرية والتعامل الحسن ما يقتضيه الدستور والسلوك الديمقراطي الراشد .
كذلك فإن شعار الفصل بين السلطات يعتبر من أبجديات العمل السلمي الديمقراطي ومن شأنه إخضاع السلطة التنفيذية لرقابة السلطة التشريعية وبقية الأجهزة الرقابية بما في ذلك القضاء الذي ينبغي أن يحظى بالاستقلال التام إن يوفر مناخاً معافى لا تشوبه شائبة الفساد أو التغوّل على قيمة العدل المطلقة، وهو بلا شك سيكون المستفيد الأكبر من كبح جماح الفساد الذي لا رادع له سوى الممارسة الديمقراطية الصحيحة، ومعلوم أن مما استقرت عليه التجربة العالمية من مفاهيم لا خلاف حولها البتة أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
كذلك فإن الوالي يقف على قمة الأجهزة النظامية وليته يقدم أنموذجا في التعامل الأخلاقي البعيد عن تغوّل الأجهزة التي كثيرا ما تعدو على حق المواطن وتضيّق الخناق على القطاع الخاص، وبالتالي على الاستثمار الذي لا يهرب من البلاد إلا بفعل فاعل هو انهيار المناخ الملائم لاجتذاب المستثمرين، ولا أشك مطلقا في أن مشكلة الاستثمار في السودان لا تكمن في انعدام القوانين المشجعة إنما في المعوقات الأخرى، فهل ينجح أيلا في أن يجعل من ولايته ماليزيا أو قل اثيوبيا داخل الدولة السودانية بحيث لا يهرب المستثمرون من السودان إلى دول أخرى جاذبة وإنما يلوذون ، حين يفرون هربا بجلودهم من سعير الخرطوم أو غيرها من الولايات الطاردة ، بجنة الجزيرة الخضراء؟.