الصادق الرزيقي

ما بعد الاستفتاء ..(2-2)


> قلنا بالأمس، إنه بعد إعلان نتائج الاستفتاء في دارفور، وفوز خيار الولايات وسقوط خيار الإقليم، لم يعد هناك ما يمنع ولاياتها من اختيار أسمائها، حيث توجد رغبة وأفكار نثرت على بساط البحث والنقاش، سبق وأن طُرحت مقترحات لمسميات جديدة للولايات، منذ اعتماد الحكم الاتحادي عام 1994م عندما قُسمت إلى ثلاث ولايات، وعندما أُضيفت ولايتان قبل أكثر من ثلاث سنوات، ويدور جدل كثيف بين أبناء هذه الولايات حول جدوى الاحتفاظ بالاسم التاريخي الذي تجاوزه الحاضرة وسيتلاشى في المستقبل، باعتبار أن دارفور ككيان سياسي وإداري لم تعد موجودة على أرض الواقع، ولا تراها العين إلا كرصيد ما ضوي ونزعات معنوية وموروث فيه محمولات ثقافية وتاريخية لا ينكرها أحد.. وستظل باقية على هيئتها هذه دون تجسدات عملية. > فالدعوة لتغيير أسماء الولايات ليست جديدة ولا بدعة مستحدثة، ولا المقصود بها هضم حقوق أية جهة ارتبط اسمها بكل الولايات الخمس، فهذه القضية شاخصة وظاهرة يجب بحثها والنقاش حولها في العلن والهواء الطلق، دون أن تُضمر في الستور وتُخفي في الصدور ..!! > ومن الواجب أن نشير إلى جدوى التفاعل مع مثل هذه الأفكار، فليس من المحتمل أن ينكفئ أهل الولايات إلى زوايا تاريخهم والتعلق فقط بخيط الاسم والمسمى للبحث عن وحدة عضوية باتت غير مرئية أو محسوسة. فأهل دارفور ذاقوا بالاستفتاء الإداري حلاوة الاختيارات الحرة في قضايا مصيرية وحساسة، فسيأخذون كل حقوقهم الدستورية في تنظيم حياتهم وتوجهاتهم التي يكفلها القانون والدستور. فأية ولاية من الولايات بحكم الدستور والقانون، هي كيان مستقل يتبع مباشرة للمركز وليس بينه حجاب أو يلتمس وسيلة إلى الحكومة الاتحادية، وتتنافس هذه الكيانات في ما بينها في مجالات التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين، ولا ترتبط مصائرها بغيرها، مثل ولايات الوسط والشمال وكردفان والشرق، لقد ذابت بفعل تجليات الحكم الاتحادي الارتباطات السابقة التي كانت تجعل من الجهات المختلفة وحدات مترابطة منظومة في خيط واحد.. > ومن مصلحة أهالي الولايات الخمس، في شمال وغرب ووسط وجنوب وشرق دارفور، أن يختاروا خياراتهم المستقلة ويواجهوا تحدياتهم لوحدهم دون أن يجر طرف واحد الأطراف كلها إلى حيث يكون هو. فالأزمة المرتبطة بالتمرد عندما ظهرت في محلية واحدة أو محليتين في شمال دارفور، عمت بسرعة كل الولايات وحُملت أوزار التمرد وفظائعه وما ترتب عليه، وعندما طبقت قضية دارفور الآفاق، كانت هناك أجزاء كبيرة من هذا الجزء الشاسع من السودان لا تعرف التمرد ولم يطأ ترابها ..! > فمصلحة أهل دارفور تكمن في تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي، وإنجاز القدر المقبول من التنمية والخدمات، وتطوير الموارد، وتقوية الحكم المحلي وتطوير الإمكانيات والقدرات وتسخير الثروات لخدمة الأهداف المرجوة من الحكم الاتحادي وتوسيع قواعد المشاركة السياسية، وذلك كله لن يتأتى إلا باحترام كينونة كل ولاية وميزاتها وخصائصها، ومراعاة ظروفها وطبيعة تركيبتها السكانية، فليس من المنطق بعد أن فصلنا بين الولايات في نظام الحكم والإدارة وجعلت كل ولاية لوحدها تواجه تحدياتها وظروفها، أن نجبرها على لبس زي موحد ووضع زينة من ذات النوع والشاكلة، ووضعها في قفص الاسم الواحد.. > فمن صلاح النظر وصواب الرؤية، ترك اختيار الاسم لمواطني كل ولاية، فإذا كانت عملية الاستفاءات تعد من أرقى وأرفع الممارسات الديمقراطية، فإنه في الدول الديمقراطية المتقدمة يتم استفتاء شعب كامل لشق طريق أو تعديل مادة في الدستور أو إزالة معلم، فلا ضير ما دام الشعوب تُستفتى في أمور صغيرة، أن يستفتي مواطنو ولايات دارفور في أمور عظيمة، والآن توجد سانحة لن تتوفر مرة أخرى لجعل المواطنين أصحاب الحق الطبيعي في مصائرهم. > نحن نقف عند نقطة فارقة، فإما أن ننحاز لمستقبل مشرق مُثقل بوعود طيبة، أو نرجع إلى ماضينا المليء بالصراعات والحروب والتخاصمات السياسية التي جعلت كل المنطقة تخوض في الوحل وتتخبط في ألسنة النار وفوق الجمر.. > فهذه ليست دعوة لأبناء دارفور فقط، بل للحكومة الاتحادية وأصحاب القرار للتفكير بعمق في مثل هذه الاقتراحات التي تدور جدالاتها بين أبناء ولايات دارفور، وهم يبحثون عن مسارات جديدة لا تعود بهم القهقري إلى أزمنة الحرب والنزاع والاختلاف..