مقالات متنوعة

ابرهيم دقش : إدارية.. سياسية أو طبيعية.. فقط أفهموها!


أعذروني أن أعود مرة ثانية لقصة منطقتين، “حلايب” و”شلاتين”، ودعونا نضع النقاط على الحروف بموضوعية شديدة. الحدود ثلاثة.. طبيعية وسياسية وإدارية، وفي حالة المنطقتين المذكورتين لابد من العودة إلى الوراء حتى نستبين الخيط الأبيض من الأسود، ونكون على بينة من أمرنا قبل أن (نهاتر) أو (نكابر) أو نرمي بالقفاز للمنازلة.
نحن لسنا بحاجة لأي (منازلة) سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية مع جارة عزيزة مثل مصر، ما يجمعنا بها أكثر مما يفرقنا فيما بالإمكان الركون إلى المنطق المجرد. فمن وضع خط (22 أو 23) الذي يوضح الحدود بين السودان ومصر؟ هم الإنجليز وقد (عمدوا) إلى وضع الخط المستقيم الممتد من ليبيا إلى عكسها، ثم نكصوا على تلك (اللفة) التي جعلت من “حلايب” و”شلاتين” منطقتين مصريتين تداران إدارياً من السودان، فالخطأ الأول ارتكبته أول حكومة سودانية انتقالية برئاسة الزعيم “الأزهري” في مارس 1945م، سبقتها انتخابات في 1953م، كان مقترحاً أن تحل مشكلة “حلايب” (سياسياً) لكنها لم تفعل.
فالحدود مثلما أسلفنا إذا كانت طبيعية من أنهار ومن جبال حلها ممكن وسهل، لكن عندما تكون إدارية لابد للسياسة من التدخل فيها مبكراً قبل أن تستفحل، ولدينا مثلث (لامو) بين كينيا والسودان القديم كمثال حي.. وبالنسبة لحلايب وشلاتين أضعنا فرصاً ذهبية لحل المشكل خاصة عندما توصل الرئيسان المرحومان “نميري” و”السادات” إلى صيغة التكامل السياسي وأعلناه.. فتلك كانت فرصة لحل مشكلة “حلايب” و”شلاتين” لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد، وهكذا انتقلت المشكلة بإرثها الممتد من عهد رئاسة “عبد الله خليل” للوزارة في السودان في الخمسينيات واضطراره لمواجهة “عبد الناصر” بشأن (حلايب) عسكرياً، ثم تراجعه عنها.. وبالتالي بقيت “حلايب” مثل (التابو) يخاف أي نظام من أن يطرق على بابها، وتركناها للأيام، كما يقول الفنان “علي إبراهيم اللحو”.. وما كنا نحسب أن الأيام تلك بالليالي (حبالى).
وها هي الأيام تعود لنا بحلايب وشلاتين بعد قصة الجزيرتين اللتين أعادتهما مصر للمملكة العربية السعودية، فأشعلت النيران ضد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” بينما الرجل لم يتصرف إلا بالحق.. وهكذا بدأت حملة في السودان ضد “السيسي” بشأن “حلايب” و”شلاتين”، فهل يعقل أن يستجيب الرجل لأي حوار أو تفاهم أو نقاش مع السودان في الوقت الذي يضج الشارع المصري ويصرخ بأن الجزيرتين مصريتان.. وفي وقت خرج علينا متطرفون في مصر يطالبون بإعادة السودان كله إلى الحضن المصري كما كان عليه الحال في 1882م.
هل نحن في سنة أولى (سياسة) أم فصل (زيرو) تمهيدي سياسة؟