تحقيقات وتقارير

عشرات الأدوية خارج مظلة التغطية التأمين الصحي.. مسلسل الصدمة والحسرة


إدارة التأمين: نوفر 700 نوع من الأدوية رغم ارتفاع الأسعار
مواطنون: البطاقة “عدمها أفضل من وجودها”
صيدلانية: المريض يتحمل 75% من تكلفة الأدوية

“المصائب لا تأتي فرادى”، تنطبق هذه الحكمة على المواطن علي حامد، الذي شاءت الأقدار أن يتعرض لحادث سير أثناء عمله بالولاية الشمالية، ليتم نقله على جناح السرعة نحو مستشفى دنقلا الأنيق شكلاً الفقير مضموناً، إلا أن الجراحة استعصت على مداويها بشمال السودان، لتتكبد أسرته عناء ترحيله إلى الخرطوم التي تعد وجهة مفضلة للعلاج لمعظم مرضي الولايات.

وفي مستشفى إبراهيم مالك قرر الأطباء بتر رجله، ليتقبل الأمر بنفس راضية ومؤمنة، وبعد أن ذهب جزء عزيز من جسده يمم صوب مركز الأطراف الصناعية حتى يحظى بطرف يعوضه ذلك الذي تم بتره، غير أنه تفاجأ بقول الأطباء بالمركز أن العملية التي تم إجراؤها له شابتها أخطاء تحول بينه وتركيب طرف صناعي ليعود إدراجه مجددًا صوب مستشفى إبراهيم مالك والحزن يعتصر دواخله، ليقضي الرجل مجدداً شهراً كاملاً في المستشفى بعد أن تمت إعادة العملية “من جديد”، ومع رحلة العلاج الطويلة وتكاليفه الباهظة، لجأ علي حامد لاستعمال بطاقة التأمين الصحي التي كان يدخرها لمثل هذا اليوم، غير أنها لم تعد عليه بفائدة لأن كل الأدوية التي أراد صرفها عبرها خارج مظلة التأمين، وجملة”خارج مظلة التأمين” كثيراً ما تتردد على ألسنة الأطباء بالصيدليات، فما هي الأسباب التي تقف وراء خروج الكثير من الأدوية من مظلة التأمين.

شكوى وحسرة
للإجابة على السؤال السالف ذكره، كان لزاماً علينا الالتقاء بمرضى ينضوون تحت مظلة التأمين الصحي وذلك للاستماع إليهم والتعرف على مدى صدقية ادعاء بوجود الكثير من الأدوية خارج مظلة التأمين، وكانت وجهتنا الأولى مستشفى إبراهيم مالك بجنوب العاصمة الخرطوم، والذي تجولنا بداخله في عنبري الجراحة والأطفال، وتكشفت لنا مدى المعاناة التي يتكبدها مرافقو المرضى الذين بدا عليهم إعياء واضح لم نعرف كنهه، هل هو من رهق السهر ومتابعة أحوال مرضاهم، أم إنه ناتج من معاناتهم مع تكاليف العلاج الباهظة وخاصة الأدوية، تفسير ملاحظتنا جاء على لسان الصادق محمد الذي يرافق مريضًا تم تحويله من ولاية شرق دارفور يعاني من كسر في الحوض. الصادق يشير في حديثه لـ(الصيحة) أنهم قضوا في المستشفى خمسة أيام ـ عند لقائنا به ـ وما يزالون ينتظرون موعد تحديد العملية وأنهم كثيراً ما يضطرون إلى سؤال الطبيب عن موعد العملية وذلك لأن مريضهم يعاني من الألم وهم يقفون مكتوفي الإيدي، بالإضافة إلى معاناتهم مع تكاليف أجرة السكن بالخرطوم، عطفاً على الثمن الباهظ للأدوية التي يطلب منهم الأطباء شرائها، مبيناً عن أن انتظار العملية يعني بالنسبة لهم زيادة الصرف لجهة أن الأطباء يطالبون بإحضار الأدوية بشكل يومي، وهي تعد أدوية كما يشير باهظة الثمن، وأن معظمها خارج مظلة التأمين، ورأى أن في هذا الأمر زيادة من معاناتهم وأضاف: “من أصعب الأشياء أن تتوجه صوب الصيدلية لصرف أدوية وتتفاجأ بالطبيب الصيدلي يفيدك بأن هذه الأدوية خارج مظلة التأمين، وساعتها ليس أمام مرافق المريض غير أن يشتريها “كاش” وبمبالغ باهظة.

خسائر فادحة
ويحكي المريض علي حامد الذي أشرنا الى قصته مع بتر رجله في بداية هذا التحقيق، عن معاناته مع المرض ورحلته التي استمرت لأكثر من شهرين، معتبراً في حديثه لـ(الصيحة) أن أكبر العقبات التي واجهتهم تمثلت في توفير الأدوية، وأردف: لا فائدة من بطاقة تأمين صحي “وعدمها أفضل من وجودها”، وذلك لأن معظم الأدويه التي يطلبها الأطباء خارج نطاق تغطية التأمين الصحي، وفي هذه الحالة نضطر الى شراء الدواء من صيدلية خارج المستشفى لا تتعامل ببطاقة التأمين.

صرف ومناشدة
بينما كشف المريض مصطفى حامد في حديثه لـ(الصيحة)، عن إصابته بمرضى السكري والضغط، وقال إنه تعرض لجرح في قدمه اليسرى وتم نقله إلى مستشفى إبراهيم مالك لإجراء عملية نظافة، وأضاف: اكتشف الطبيب أن الجرح عميق ويحتاج لمتابعة وعناية، وأن هذا لا يتم إلا داخل المستشفى، وبالفعل قاموا بتنويمي، موضحاً أن البقاء في المستشفى لفترة يحتاج للكثير من الأدوية وغيرها من أوجه الصرف، مبيناً امتلاكه بطاقة تأمين صحي ومع ذلك يضطر لصرف بعض الأدوية والعلاجات بمبالغ باهظة لأنها خارج التأمين الصحي هذا ما يدعوه للقلق، وناشد إدارة التأمين الصحي إدخال الأدوية الغالية لأن بعضها نحتاجه بشكل يومي.

الدواء أهم من مقابلة الطبيب
أما الموظف حازم عبد الفتاح فبدأ حديثه لـ(الصيحة) بقوله إن خروج الأدوية المنقذة للحياة من مظلة التأمين الصحي واحدة من أكبر المصاعب التي تواجه المواطن السوداني البسيط الذي يعاني أشد المعاناة على كافة الصعد الحياتية، وقال إن نتاج هذا الأمر فقدان أسر عديدة لمرضى، وذلك لعدم توفر جرعات العلاج، وناشد (حازم) القائمين على أمر هذا الشعب توفير واحدة من مقومات الحياة والمتمثلة في العلاج، مطالباً التأمين الصحي بضرورة إدراج كل الأدوية المطلوبة ضمن الخدمات التي يقدمها، معتقداً بأن الأدوية تعد أكثر أهمية من رسوم مقابلة الطبيب، وذلك لتكلفتها الباهظة التي تفوق في أحيان كثيرة إمكانيات الأسر.

خروج نهائي
كانت ذلك جزء يسير من إفادات مرضى ومواطنين التقيناهم بمستشفيات متعددة بالعاصمة، ولإكمال الصورة، توجهنا صوب صيدلية مستشفى إبراهيم مالك، وسألنا الطبيبة الموجودة وقتها عن الأدوية التي خرجت عن مظلة التأمين، وقالت الدكتورة غادة صلاح الدين، إن الأدوية التي خرجت عن التأمين الصحي يأتي على رأسها المضادة للالتهابات، التي أشارت إلى أن معظمها يعتبر خارج مظلة التأمين الصحي، وأضافت: بصفة عامة فإن أغلب تلك المجموعة في حالة تطور دوائي مستمر، حيث يتم تجديدها نهاية العام، وآخر قائمة تم تجديدها كانت في 2013م وخلال الثلاث سنوات الماضية دخل حوالي 20 نوعاً من الدواء جديد، غير أنه لم يتم تسجيلها وإدخالها في النطاق الصحي، لافتة إلى أن التأمين حدد أسعاراً متدنية لبعض الأدوية، مقرة بحدوث ارتفاع متواصل لأسعار الأدوية في السوق، وأن هذا ينعكس سلباً على المواطن وذلك حينما يتم رفع سعر الدواء من قبل الصيدليات إلى أكثر من ربع القيمة المحددة بـ25% من قبل التأمين الصحي، وقالت إن المريض أو مرافقه يضطر لدفع نسبة 75%، وكشفت عن أن بعض الأدوية لم يتم إدراجها في التأمين الصحي منها أدوية الأمراض المزمنة التي يحتاج إليها المريض بصورة ضرورية ويضطر إلى دفع أي مبلغ لشرائها، مبينة أن صرف الأدوية ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وأردفت: توجد أدوية يمكن صرفها عبر بطاقة التأمين، وهي تلك التي يحرر روشتتها الطبيب العمومي ويضع عليها ختمه، أما النوع الثاني من الأدوية، فلا يتم صرفها إلا بمكتوب من الاختصاصي، ويتمثل النوع الثالث في الأدوية الخاصة بالمرضى المنومين، مؤكدة أن التأمين الصحي له ختم خاص يتم ختمه عن طريق ضباط التأمين موزعين على كل الصيدليات المتعاقدة معه، وتناشد غادة صلاح الدين وضع لوائح وموجهات للأطباء لمعرفة الأدوية المختصة بالطبيب العمومي والأخصائي، وقالت إنهم كثيرًا ما يعيدون المريض أو مرافقه إلى الطبيب لهذا السبب.

نفي وإثبات
وحتى تكتمل الصورة توجهنا صوب الإدارة التنفيذية للتأمين الصحي، ووضعنا أسئلتنا واستفهاماتنا أمامهم. وفي البداية نفى المدير الإداري للخدمة الدوائية الدكتور خالد الأمير حديثه لـ(الصيحة) خروج أي أدوية من قائمة التأمين، مشددًا على أن التأمين الصحي يقدم (700) نوع من الأدوية ويدفع نظيرها (75%) من قيمتها للمؤمن عليهم وتلتزم الهيئة بإعادة قيمة الدواء المدرج بالقائمة في حال عدم توفره عبر البطاقة، وواصل الدكتور خالد حديثه قائلاً: يوجد خطأ شائع ومتداول بصورة كبيرة مفاده أن الأدوية ذات الأسعار العالية تكون خارج نطاق التأمين الصحي الذي لا يصنف الأدوية حسب أسعارها لأنه يمتلك قائمة بالأدوية التي يتم تجديدها بصفة دورية ويتم اختيارها وفق متطلبات مشتركي التأمين الصحي من الأدوية وحسب الدراسة الإكتوارية، وهذه القائمة تحتوي على (700) نوع من الأدوية ويتم تصنيفها بالاسم العلمي وليس التجاري، ويقول إنه ورغم الأزمة الاقتصادية التي أثرت على توفير الأدوية بالسودان فإن هيئة التأمين الصحي تمكنت من توفير الدواء بنسبة 81.4%، مبيناً أنها وفي كل عام تضع خطة تمكنها من مقابلة النقص الذي يمكن أن يحدث في الدواء، ونفى الدكتور خالد خروج بعض الأدوية من قائمة التأمين، وأضاف: تشهد قائمة الأدوية زيادة وليس نقصاناً، فلا توجد أدوية تم إخراجها من التأمين بل تعمل الإدارة على زيادة القائمة مهما ارتفع سعر الأدوية في السوق.

شركات خاصة
وكشف المدير الإداري للخدمة الدوائية عن وجود من يقارن بين الشركات الخاصة العاملة في مجال التأمين وبين التأمين الحكومي، وأشار إلى أن ما يميز التأمين هو أن قيمة الاشتراك زهيدة تتناسب مع الحاجة الطبية للمشتركين، وقد تم تحديدها وفقا للدراسة الإكتوارية التي تجريها الهيئة دورياً، وتتراواح بين (6 جنيهات) للطلاب، (15 جنيهاً تقريباً) للمعاشيين،(10% من الراتب للقطاع المنظم، يدفع العامل منها 4% ويدفع المخدم 6%)، و(40 جنيهاً لأصحاب المهن الحرة)، موضحاً أن هذه القيمة تشمل المشترك وأسرته، ونفى وجود سقف للخدمة، وأكد أنه من حق حامل البطاقة الذهاب للطبيب بدون حدود لعدد المرات وتلقي الفحوصات التي يحتاجها، مشيراً إلى أن بعض الأسر يصل عدد أفرادها إلى 13 شخصاً وجميعهم يشملهم التأمين.

وكشف أن قانون التأمين الصحي للعام 2013م تم تعديله لضبط العلاقة بين الجهات المقدمة للخدمة والمؤمن عليهم وحدد القانون حقوق لكلا الطرفين وكذلك نص على عقوبات على المخالفين من الطرفين، ويلزم القانون الهيئة بدفع قيمة الدواء المدرج بقائمة التأمين الصحي لحامل البطاقة في حال عدم توفره بصيدليتين.

أدوية مدفوعة الأجر
وأكد وجود مرضى يشترون الدواء بدون البطاقة مما يكلفهم أموالاً كثيرة في الوقت الذي يدفعون فيه اشتراكاً شهرياً للتأمين وبذلك يكون قد دفع القيمة مرتين، موضحاً أن هذا قد يحدث إذا لم يكن هذا الشخص حاملاً للبطاقة وعلى دراية بالمعلومات والإرشادات الكافية لتعينه على كيفية استخدامها والاستفادة من الخدمات الطبية المستحقة عبر التأمين، لذلك وحسب المدير الإداري للخدمة الدوائية تأتي أهمية التوعية بمفهوم التأمين وكيفية استخراج البطاقة وكيفية الاستفادة منها والمواقع التي تقدم الخدمة وكذلك الخدمات وأنواع الأدوية المدرجة في قائمة هيئة التأمين الصحي.

الخرطوم: فاطمة أمين – حسناء خليل
صحيفة الصيحة