الطيب مصطفى

العيادات القرآنية


من التحديات الماثلة أمامنا كقوى سياسية ومجتمعية وقبل ذلك أمام الدولة نشر التعليم وإزالة الأميّة من مجتمعنا وشن الحرب على مختلف أنواع الممارسات التي تقعد بنا وتؤخر انطلاقنا نحو المستقبل الذي نريد بما في ذلك الحرب على مظاهر الدجل والشعوذة وبدع المتاجرة بالدين وبالقرآن الكريم وكم سعدت بنداء د.عصام البشير لمناهضة ما يسمى بالطب البديل أو العيادات القرآنية التي لم تجد لها سوقاً رائجة في كل الدنيا إلا في بلادنا المأزومة.
بلغت الجرأة بالبعض أن يفتح عيادات -عديل كده – للعلاج بالقرآن الكريم ينصب للدعاية لها لافتات تشير إليها في الشوارع الرئيسية، والأدهى والأمر أن بعض هؤلاء يفرضون مبالغ (للكشف) تفوق ما يمنح لكبار الأطباء الإخصائيين، وقد كتبت من قبل عن هذا الأمر، وأبديت دهشتي أن السودان يتفرد بهذه الظاهرة الغريبة دون العالمين.
نعم يمكن أن يطلب الناس رقية شرعية من أناس ذوي فضل ودين، ولكن أن تصبح تلك الممارسة تجارة تفتح لها العيادات ويمتلك أصحابها من ريعها الفارهات من السيارات والمساكن ذات الطوابق فهذا أمر غريب بحق يكشف عن إمكانية استشراء أية ظاهرة مهما كانت منكرة في مجتمعنا المتسامح مع كل شيء سواء كان صالحا وطالحا.
الغريب أن هذه التجارة المربحة أصبحت تورث فبعد أن توفي أحد الشيوخ الأفاضل والذي كان يدير عيادة بالقرب من مستشفى كبير نهض شقيقه بالمهمة وأداها خير أداء فما هي بالصعبة .. مجرد حفظ آيات معلومة من القرآن الكريم يتلوها من يمارسون الرقية مع طقوس معينة (وخلاص)..عندها يفتح الباب للرزق الوفير من خلال عيادة يحجز لها بالأيام ذات العدد .
تخيلوا لو أن كل حفظة القرآن فعلوا ذلك .. هل يبقى شارع في الخرطوم أو غيرها من مدن وقرى السودان خاليا من عيادة قرآنية؟.
مشكلتنا في انتشار هذه الظواهر والبدع تكمن في السلطات الرسمية مثل الولايات والمحليات فكل شيء حلال طالما أنه يدر دخلاً ورسماً.
على سبيل المثال للغرائب والعجائب التي تحط من مجتمعنا الذي يئن تحت وطأتها أن وزارة الصحة بولاية الخرطوم شنت حملة شعواء على تعاطي التمباك باعتباره ناشراً لسرطان اللثة والفم ومظهر غير حضاري وانفقت في سبيل ذلك المال والجهد وعلقت اللافتات المصورة المنفرة من تلك الآفة ونصبتها في الشوارع، ولكن محليات ولاية الخرطوم ، في تناقض مريع ، تصر على ترخيص محال (العماري البوزن الرأس!) في الأسواق وفي أكثر المناطق كثافة بالسكان وأعجب أن ينتشر التمباك بين طلاب الجامعات ونحن صامتون والدولة لا تكترث أو تقول كلمة نهائية حول الصعوط والتدخين، بالرغم من أن كبار علماء الأمة من الوسطيين الميسرين ومن بينهم العلامة القرضاوي حرموهما ولا شك أن التمباك أكثر خطراً وحرمة وأسوأ مظهراً من السجاير، لكن ماذا نفعل فالدخل والريع أهم وأعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله.