تحقيقات وتقارير

يتعرضون لاعتداءات لفظية وجسدية المعلمون.. مشاعل “النور” تحت “نيران” أولياء الأمور


معلم يدفع الثمن غالياً ويفقد وظيفته لمجرد أنه قام بواجبه التربوي مع أحد الطلاب
باحث: استقواء بعض أولياء الأمور على المدارس الخاصة ينبع من إحساسهم بأنهم داعمون للمدرسة
معلمة: “الدلع” الذي تتعامل به بعض الأسر مع أبنائها يجعلهم لا يحترمون الأساتذة

ظهرت فى الآونة الأخيرة الكثير من السلوكيات الغريبة لدى المجتمع السوداني والتي لم تكن معهودة من قبل، لا سيما وسط شريحة الطلاب والتلاميذ في المدارس المختلفة وتتمثل في شكوى الطلاب لأولياء أمورهم بدلاً من إدارة المدارس في كثير من النقاشات العادية التي تنشأ بينهم وبين المعلمين وفي أمور تربوية بحتة، حيث يلجأ الكثيرون من الطلاب إلى أولياء أمورهم بدلاً من إدارة المدارس، ليقع المعلمون ضحايا لغضب وثورة أولياء الأمور.

فلاش باك
كان المعلم في عهود سابقة يقوم بواجب الأب في تربية التلميذ وتعليمه والمحافظة عليه وتأديبه وتنشئته تنشئة سليمة، فيخرج الطالب للمجتمع مكتمل التربية والعلم ويظل فاعلاً فى كل ما يوكل إليه، بل كان كل أمر يخص الطالب يوكل للمعلم (حتى بعض أولياء الأمور يسلمون أبناءهم للمعلمين ويقولون لهم لكم اللحم ولنا العظم) ولكن اليوم اختلط الحابل بالنابل فأصبح المعلم لا يستطيع حتى ضرب الطالب وأي محاولة منه لعقاب التلميذ أو الطالب يعرض نفسه للمشاكل..

(الصيحة) فتحت هذا الملف لتسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة والدخيلة على المجتمع السوداني، ومحاولة منها لإيجاد حلول ناجعة لهذه الظاهرة حتى لا تتفاقم وتكون سبباً فى إعاقة مسيرة التعليم والمعلمين والذين هم حجر الزاوية في أي عملية تنمية في البلاد، لكنها في المقابل تشير إلى أن العنف الذي يمارس من بعض المعلمين ناحية الطلاب يظل أمراً مرفوضاً، إذا تجاوز حدود التربية والتقويم.

إساءة وابتزاز على الملأ
(م ـ ن) معلمة في إحدى مدارس مرحلة الأساس بنات بولاية الخرطوم وفي أثناء تأديتها للحصة الدراسية، ثارت تلميذة في الصف الثامن في وجهها واحتجت على المقرر بطريقة بها عدم احترام للمعلمة وحتى لزميلاتها التلميذات اللائي يحضرن الحصة في الفصل وكان احتجاجها بصوت مرتفع ونبرة حادة، فحاولت المعلمة توبيخها ولم تكترث للمعلمة ولا بقليل من التهذيب والاحترام وسط دهشة من زميلاتها التلميذات بالفصل، فما كان من المعلمة إلا إن ضربتها ضربه خفيفه جداً لا ترقى لمستوى الحدث ولا تسوي شيىئاً، واستمر الأمر عادي وطبيعي، وواصلت المعلمة في الحصة، وعندما انتهت الحصة، اتصلت التلميذة بوالدتها فحضرت والدة التلميذة، في زمن وجيز إلى المدرسة وقابلت المعلمة وهي غاضبة فقذفت المعلمة بوابل من الشتائم وحاولت ضربها إمام زميلتها. وحتى مديرة المدرسة لم تستطع فعل شيء بل أصبحت (زول جودية). المعلمة المسكينة لم تستطع فعل شيء ولا تجد من يحميها من وابل الشتائم الذي أطلقته والدة التلميذة أمام الجميع، وفي نهاية الأمر حرّكت المعلمة بلاغ في النيابة.

معلم ضحية
الحدث الثاني تعرض له (ز . ن. م) الذي يدرس القرآن الكريم في إحدى المدارس الخاصة بمرحلة الأساس بولاية الخرطوم، حيث دخل المعلم في نقاش مع أحد التلاميذ بالصف الثامن وذلك عندما شاهد منه سلوكًا غير أخلاقي مع إحدى زميلاته التلميذات بالمدرسة الخاصة المختلطة، واحتدم النقاش بين المعلم والتلميذ وتطوّر الأمر حتى وصل لمديرة المدرسة والتي لم تستطع فعل شيء تجاه الأمر وذلك خوفاً على منصبها وسمعة المدرسة لأن والد التلميذ ذو مكانة سامية في المجتمع وتركت المعلمة الحبل على الغارب ولم تستطع حسم الأمر في لحظته، فأصبح التلميذ لا يحترم المعلم بل أصبح الجدل مستمراً بينهما فتطوّر الأمر مرةً أخرى، ولكن هذه المرة ما بين المديرة وموظف في المدرسة من جهة، والمعلم من جهة أخرى، وبعد نقاش حاد مع المديرة تم فصل المعلم من المدرسة، فتطوّر هذه المرة واشتكى المعلم إلى مكتب العمل، ولكن المعلم المسكين لم يستطع المقاضاة لفترة طويلة نسبة لظروفة المادية، وفي نهاية المطاف انتهى الأمر بفصل المعلم من المدرسة نهائياً بحجة غيابه عن العمل من غير إذن، بالرغم من أنه تم إيقافه عن العمل قبل فترة بدون إخطار مكتب العمل وفي النهاية، فشل المعلم في مواصلة القضية وتمت تسوية الأمر بمنحه 4 آلاف جنيه حقوق ما بعد الخدمة التي استمرت (7) أعوام من العمل المتواصل، فالمعلم الآن قرر مغادرة البلاد بعدما فشل في إيجاد عمل بديل يسد به رمقه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها، وقبل أيام وجدته (الصيحة) فقال: إنه وجد عملاً في قرية نائية بالمملكة العربية السعودية.. هذه القضية الثانية التي كانت (الصيحة) شاهدة على تفاصيلها وملمة بها.

هجوم معلم
وسردت إحدى السيدات وهي عاملة في إحدى المدارس الحكومية (فراشة)، لـ(الصيحة) واقعة أخرى حيث قالت إن معلماً في المدرسة التي تعمل فيها قام بمعاقبة أحد التلاميذ، فذهب التلميذ وأخبر أسرته فجاءوا إلى المدرسة أكثر من خمسة أشخاص فى حالة هياج يريدون ضرب المعلم، لكن تم إخفاؤه في مكان ما في المدرسه فقاموا بشتم الجميع مما جعل المعلمين يلجأون إلى تقديم استقالاتهم.

الطالب لا يُعاقب لعدم فهم الدرس
ويرى المعلم والموجّه التربوي صلاح الدين الطاهر الصديق بالنسبة لشكوى التلاميذ إلى أولياء أمورهم بدلاً عن إدارة المدرسة بأنه سلوك غير موجود من قبل، وقال صلاح إن الأدب التربوي يُحتّم على المعلم دور التربية، بالإضافة للتعليم، وكان في السابق أولياء الأمور أحرص الناس على تأديب أبنائهم، وحتى عندما تحدث بعض الإشكالات ويأتي ولي أمر التلميذ يطلب من إدارة المدرسة معاقبة الطالب أمامهم، وهذا دلالة على عدم ممانعته في العقاب، ولكن أصبحت الأمور معقّدة جداً، وتربوياً لا يعاقب الطالب على عدم فهمه للدرس أو حل المسألة حلاً سليماً، لأن هذا من واجب المعلم، ولكن يعاقب الطالب للإهمال وسوء السلوك وفي الاثنين أعتقد بأنه لا يوجد والد تلميذ يرفض تأديب ابنه على ذلك، وكان العقاب في السابق به نوع من التبصُّر، ولكن الآن نجد بعض إخواننا الشباب من المعلمين يعاقبون الطلاب بانفعال وبالتالي دائماً يحدث نوع من المشكلات بين أولياء أمور الطلاب والمعلمين، وقبل أسبوع تناولت مواقع التواصل الاجتماعي وجود هذه الظاهره بأن هناك والد تلميذ اشتكى المعلم إلى المحكمة وعندما وصل الموضوع للقاضي وعرض المعلم للقاضي، وعندما وقف المعلم أمام القاضي في الجلسة، نزل القاضي من المنصة، وقام بتقبيل يدي المعلم باعتبار أن هذا المعلم هو الذى درّس القاضي، مما كان سبباً في تسوية القضية. ونرى بعض المراقبين أنه لابد من العقاب الذي لا يتجاوز الحدود والذي يرجع الطالب إلى الصواب ويجب على المعلم أن لا يعاقب وهو منفعل، ولكن مع ذلك هناك من ينتقد سلوك الأمهات لأنهن أصبحن يناصرن أبناءهن على المعلمين.

التدليل.. سبب رئيسي
وتروي المعلمة هدى أبو القاسم من تعليم بحري بأنه حدث تغيير كبير في السلوك لدى الطلاب بين الأمس واليوم، فكان في السابق للمعلم دور كبير في التربية والتعليم وهو الأب والأم، وكل شيء قبل الأسرة، لأن زمن الطالب في المدرسة أكثر من المنزل، وأضافت هدى: عندما كنا طلاباً إذا رأينا المعلم في الطريق نحرص على أن لا يرانا ونضع (الطرح) في وجوهنا حتى يذهب المعلم، واليوم اختلط الحابل بالنابل، ورصدت (الصيحة) طالبات في المرحلة الثانوية يحملن موبايلات جلاكسي، وعندما أخذت مديرة المدرسة الموبايلات من الطالبات حضر أولياء الأمور ولم يقبلوا ما قامت به المديرة، وقالوا لها بأن سبب منحهن الموبايلات لمتابعتهن بالرغم من أن المدرسة التي يدرسن بها موجودة بالحي الذي يسكن فيه، ومسافتها ليست بعيدة ولا تحتاج أن يأخذ الطالب الموبايل.
وتقول الأستاذة هدى، إن التدليل (الدلع) الزائد من الأسرة للطالب هو سبب المشاكل ويجب ألا توفر الأسر للطلاب أشياء ثانوية، وهذه الظواهر أصبحت منتشرة بصورة كبيرة، وعندما يحدث أي نقاش بين الطالب والمعلم يشتكي الطالب المعلم لأسرته.

المعلم ما زال مُحترماً
فيما يرى نقابي من الاتحاد المهني للمعلمين، فضّل عدم ذكر اسمه بأن المعلم ما زال يتمتع بكل احترامه في المجتمع وله هيبته، وما حدث هو حدث شخصي ولم يصل مرحلة الظاهرة بعد، وإذا حدث شيء من هذا القبيل، توجد محاسبات إدارية وتبدأ من المحليات مروراً بالولاية وحتى هذه اللحظة لم تصلنا شكوى من المعلمين في موضوع هكذا وعلى العموم هي ليست بالظاهرة وإنما بعض الحالات الشاذة التي يمكن السيطرة عليها.

طلاب يستنكرون
واستنكر عدد من الطلاب السلوك الذي درج عليه بعض زملائهم في شكواهم لأولياء أمورهم، وقال الطالب محمد حبيب لـ(الصيحة) بأنه لا يمكن للطالب أن يشتكي لأسرته في الأمور التي تخص المدرسة، وأضاف أن ذلك يسبب مشاكل كثيرة، والطالب الذي يشكتي هو نفسه يختلق المشاكل، فيما ترى طالبة تم فصلها بأنها لا تشتكي لأسرتها في أي نقاش بينها ومعلميها داخل المدرسة إلا في حالة أن يُخطئ المعلم في حقها، ففي هذه الحالة تُبلغ أسرتها بما حدث.

الحماية سبب المشاكل
ويرى الدكتور يوسف فششويا الباحث النفسي أن أسباب الظاهرة تعود إلى الدلال الزائد من الأسرة تجاه الطالب ما يجعله قوياً أمام المعلم. ويضيف يوسف بأن المدرسة كانت في السابق مؤسسة تربوية، ولكن التعليم الخاص أضعف الجانب التربوي وأصبح التعليم من غير تربية، وقال يوسف أن أحد معلمي المدارس حكى له قصة فقال له عندما تحدث خلافات ما بين المعلم والطالب في المدارس الخاصة، فتُضحّى المدرسة بالمعلم، بدلاً من الطالب لأن الطالب يدفع لها مالاً، وأشار يوسف إلى أن الذي أصبح يحدث الآن، هو استثمار وليست تربية، وظهور ثقافة (البوبار) في المجتمع السوداني خاصة أبناء المغتربين والمدارس أصبحت مستثمرة فقط، فتجد الطالب يقول لأسرته أريد أن أدرس في مدرسة كذا، وتحول له مبالغ كبيرة، ويرى د. يوسف أسباب الظاهرة في التدليل الزائد للطالب، وغياب القيم التربوية في المدارس لا سيما الخاصة وعدم توفر الثقة ما بين المدرسة والأسرة وشعور الأب بالقدرة المالية، جعله يستقوي على إدارات المدارس الخاصة التي تخشى من فقدان الطالب الذي يسدد لها رسوماً قد تكون باهظة، وأضاف يوسف: إذا لم تكن المدرسة مؤسسة تربوية يمارس فيها المعلم العمل بحرية، ويؤدي دوره على أكمل وجه لن ينصلح الحال.

من المحرر
أردنا تسليط الضوء على هذه الظاهرة وأهميتها في إعاقة العملية التربوية، وتأثيرها السلبي على المعلم وعلى الجهات ذات الاختصاص محاولة إيجاد حلول لهذه الظاهرة، وإيجاد العلاج الناجع لها قبل استفحالها في المجتمع التعليمي، لأنه لا تعليم بلا تربية ولا تنمية، ولا تطوُّر إلا بالتعليم.. ونشير مجددًا إلى أننا لسنا مع الاعتداء على الطلاب أو ضربهم او تعنيفهم، إلا في حدود ما تسمح به العملية التعليمية والتربوية، كما أننا ندعو أولياء الأمور لاحترام المشاعل الذين يحملون العلم في رؤوسهم، ويقومون بدور المربي قبل المعلم.

تحقيق: آدم القديل
صحيفة الصيحة


‫3 تعليقات

  1. وأشار يوسف إلى أن الذي أصبح يحدث الآن، هو استثمار وليست تربية، وظهور ثقافة (البوبار) في المجتمع السوداني (خاصة أبناء المغتربين ) المغتربين ديل يومهم أبيض كل المظاهر السالبة تنسب إليهم … في أحد الأعوام كان يدرس إبني في أحد مدارس شارع المدارس ببحري فطلب مني أن أنقله من المدرسة فلما سألته عن السبب قال أن الطلبة لا يحترمون الأساتذة وفي نفس الوقت الأساتذة يتبسطون في التعامل مع الطلبة للدرجة التي كما يقال (يخمسون معهم السجائر) فيجب أن يكون هناك حزم من قبل الأساتذة في التعامل مع الطلبة حتى يتم إحترامهم لتتواصل العملية التعليمية والتربوية..

    1. ابنة شقيقتي بأول أساس

      تضاربت مع زميلة لها ….تاني يوم حضرت والدة الطفلة ” الباشمهندسة ” ودخلت الفصل وضربت بنت أختي

      فما رأيكم ؟

  2. التقرير منحاز جداً لجانب المعلمين .. المعلم بشر يخطئ كما يخطئ الآخرون .. و الطالب كذلك , إذا الحلقة المفقودة هي دور إدارة التعليم في أعطاء كل ذي حق حقه بدون مجاملات