الهندي عز الدين

حول التأمين الإجباري والدية .. توضيح من وزير الدولة


{اتصل بي أمس(الأربعاء) وزير الدولة للمالية الدكتور “عبد الرحمن ضرار”، معلقاً وموضحاً بعض النقاط حول ما كتبنا هنا بالأمس عن زيادة قيمة (التأمين الإجباري) للسيارات والمركبات العامة، بما في ذلك (الركشات) لنحو (عشرة أضعاف) القيمة السابقة .
{وزير الدولة أصدر القرار بصفته (وزير المالية بالإنابة)، وقد أوضح أنه قصد التعجل في إصدار القرار حفظاً للأنفس والممتلكات، إذ أن قرار مولانا رئيس القضاء بتعديل قيمة الدية وزيادتها من (ثلاثين ألفاً) إلى (ثلاثمائة ألف جنيه) سار اعتباراً من يونيو المقبل وأنه لم يتم تأجيله إلى يناير 2017 كما فهم على نطاق واسع، بل تم إمهال شركات التأمين إلى ذلك التاريخ استثناءً.
{ وبالتالي فإن كل من يتسبب في حالة وفاة في حادث مروري وفق تعريف القتل الخطأ، سيودع الحراسة، ولن يتم إطلاق سراحه إلا بعد الدفع أو إبراز وثيقة التأمين، ولن تلتزم شركات التأمين بدفع قيمة الدية (ثلاثمائة وثلاثون ألف جنيه) إلا في حالة توفيق أوضاعها بتعديل قيمة (التأمين الإجباري) لعشرة أضعاف، في محاولة لمقاربة قيمة الدية بعد حسابات طويلة ومعقدة، وهذا ما قام به الدكتور “عبد الرحمن ضرار” كمسؤول (فني) متخصص في الجانب المالي بعد تسلمه توصيات لجنة من جهات مختلفة .
{دكتور “ضرار” يرى أنه لولا تدخله هذا، فإن السجون ستمتلئ بالمعسرين العاجزين عن دفع الديات جراء الحوادث المرورية، مع خروج شركات التأمين عن السوق مع دخول شهر يونيو المقبل.
{الرجل طبق ما يراه مناسباً من ناحية (فنية)، ولكنني ركزت في مقال الأمس على التداعيات السياسية والأمنية المنتظرة في حالة إحجام أو عجز أصحاب المركبات العامة عن الالتزام بسداد قيمة التأمين الإجباري الباهظة .
{صحيح أنها قيمة قليلة جداً قياساً لقيمة الدية (ألفي جنيه إلى أربعة آلاف جنيه مقابل أكثر من ثلاثمائة ألف جنيه)، ولكن هل يستطيع أصحاب المركبات العامة سداد هذه المبالغ دفعة واحدة أو حتى على (4) أقساط ؟! وكم سيضيفون لتعرفة المواصلات ودون حساب مضبوط ومتناسب مع زيادة التأمين ؟!
{غالباً الزيادات في هذا البلد لا تكون مضبوطة ولا متناسبة حتى مع سعر (الدولار) في السوق الموازي، فالفوضى دائماً هي سيدة الموقف .
{الوزير يعتقد أن الزيادة في التأمين تعادل أقل من (20) جنيهاً في اليوم لصاحب الحافلة دون حساب العطلات، ومن الأفضل أن يدفعها بدلاً من أن يبقى في الحراسة بانتظار من يسدد له (300) ألف جنيه في حالة تسبب مركبته في جريمة قتل خطأ .
{قد يكون حديث الدكتور “ضرار” منطقياً، ولكن الوضع العام في البلد والضغوط الاقتصادية قد تدفع البعض، وهؤلاء بالآلاف، أن يتهاونوا بأمر (الدية) ويفضلوا توفير (العشرين جنيهاً اليومية) أو (الأربعة آلاف الشهرية) لشراء ربع كيلو لحم و(سلطة خضراء)، وعندما يأتي قدر الله (يبقى لحين السداد)، وربما لعشر سنوات في السجن .
{النتيجة الإجمالية في ما يهمنا ويهم الشارع العام أن هناك تعقيدات وتكلفة إضافية حلت على قطاع المواصلات، وهذا هو الذي يعني السواد الأعظم من الشعب، وهو من سيقع على كاهله عبء هذه (الأضعاف المضاعفة) من الفاتورة .. أي فاتورة .
{والأمر هنا ليس بيد د.”ضرار”، ولكنه بيد قيادة الدولة المسؤولة عن تنسيق القرارات بين الجهات العدلية والمالية والقطاع الخاص قبل إصدار أي قرار .
{في رأيي أن زيادة (الدية) لن تكون ذات أثر كبير في تخفيف الحوادث المرورية، لأن المواطن الذي يمشي راجلاً (المجني عليه) طرف في تلك الحوادث، الناس غالباً في السودان يعبرون الطرقات كما تقطعها الدواب، تجد الواحد يمشي وظهره في اتجاه السيارات، يقدل وكأنه محصن من اللمس، ممنوع من الموت!!
{كما أن طرق المرور السريع السيئة المحفرة .. الضيقة .. المظلمة تمام الإظلام، كطريق الخرطوم – مدني، أو طريق النيل الأبيض، هي عامل أساسي في ارتكاب حوادث المرور وبالتالي جرائم القتل الخطأ .
{ولذا فإنه كان ممكناً تجاوز معضلة (الديات) الواقعة على شركات التأمين وعلى جميع أصحاب السيارات في السودان، بتعديل طفيف في القانون الجنائي لعام 1991م، المادة (43)، بإسقاط الفقرة (ج) التي تقرأ: (يحكم بالدية في الخطأ من القتل والجراح)، علماً بأن المادة (42) – الفقرة(5) تقول: (ينقص من الدية في حالة الخطأ من القتل والجراح بقدر نسبة اشتراك المجني عليه في تسبيب الجريمة).
{والفقرة الأخيرة تفتح الباب واسعاً لتخفيض قيمة الدية، بقدر تسبب المجني عليه في الجريمة !
{أظن أنه كانت هناك مساحة للمعالجات، لو أحكمت الدولة التنسيق بين مؤسساتها.
{على أية حال، شكراً للوزير “عبد الرحمن ضرار” على التواصل مع الصحافة واحترامها وتوضيح ما يرى أنه جدير بالتوضيح.