مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : مواصلة لجدل الماضي والحاضر والمستقبل في النظر للنظام الإداري في دارفور على ضوء النتيجة التي أسفر عنها الاستفتاء


> بينما قد يمكن ويصح ويجوز القول، كما أرى، أن التحدي الحالي لوالي شرق دارفور العقيد أمن أنس عمر ربما قد يُعتبر، بصورة من الصور، بمثابة امتحان واختبار حقيقي لمدى قدرة المنظومة الحاكمة الراهنة، والمعبرة عن الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، على تجديد وتطوير وتجويد نفسها، وإثبات ما لديها من خبرة مسعفة لما تسعى له، في ما يتعلق بتأهيلها لقيادات صاعدة مؤهلة وذات كفاءة بارزة بين الأجيال الجديدة فيها، والتي أتيحت لها فرص سانحة للممارسة المتفاعلة والمشاركة الفاعلة في العمل الوطني العام بمواقعه المختلفة والمتعددة، منذ نجاح الحركة وفلاحها في الوصول الى سدة مقاليد الحكم والسلطة، والسيطرة عليها بهيمنة طاغية ومنفردة، بعد الاستيلاء عليها عبر انقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به مضطرة في الثلاثين من يونيو 1989، وتمكنت من البناء عليه ومواجهة تحدياته الصعبة المستمرة والمتواصلة والضاغطة بحدة وشدة بالغة الوطأة منذ ذلك الحين وحتى الآن، فإن النتيجة المذهلة التي أسفر عنها الاستفتاء الذي جرى في ولايات دارفور، وأسفر عن أغلبية ساحقة لديها رغبة في النظام الإداري الولائي الحالي وعدم العودة للنظام الإقليمي الدارفوري السابق، إنما ينطوي أيضاً على ما قد يمكن ويصح ويجوز وصفه بأنه يُعتبر بمثابة مؤشر يحتوي على وضع حد نهائي للجدل الذي ظل يجري بين الماضي والحاضر والمستقبل في هذا الصدد وبهذا الخصوص، على النحو الذي شرعنا في الإشارة له أمس عبر العودة لما وراء اللقاء الذي عقده الوفد الحكومي لمفاوضات نيفاشا عام 2004 مع الزعيم الوطني الدارفوري المخضرم السيد أحمد إبراهيم، أثناء الزيارة التي قام بها الى العاصمة الكينية حينها، استجابة لدعوة من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس وفد الحكومة في مفاوضات نيفاشا حينها الأستاذ علي عثمان محمد طه. > ومواصلة لذلك، فقد ذكر دريج في ذلك اللقاء، كما جاء في كتاب «يوميات نيفاشا»، الصادر عن المركز السوداني للخدمات الصحفية بالخرطوم عام 2011، أن موضوع دارفور هم قومي، ولكن بحكم إنهم أهلي وعشيرتي، فإن لي اهتمام خاص به، والذين تمردوا لم يستشيرونا، لكني أعرف تاريخ تسلسل المشكلة التي بدأت كقضية بين الرعاة والمزارعين، وتعقدت نتيجة لظروف الجفاف والتصحر، وكذلك نتيجة لضعف البنيات الأساسية مثل الحفائر ومصادر المياه، مما قاد لاستخدام السلاح من جانبي الرعاة والمزارعين، وأدى بالتالي لظهور مشكلات حقيقية لم تشمل دارفور فقط، وإنما أصبح هناك شعور بالظلم حتي في جبال النوبة والبجا والانقسنا. > وكما جاء في الكتاب كذلك فقد ذكر دريج، في ذلك اللقاء، إن بعض الجماعات المسلحة المتمردة في دارفور استغلت ظروف المواطن هناك، وأصبحت هنالك مزايدة خاصة من مجموعة العدل والمساواة التي انشقت من الحكومة، ولها تصفية حسابات، حيث أصبحوا يرفضون مظالم المواطن في دارفور ككلمة حق أريد بها باطل، ولابد من تعرية وكشف مثل هذه المجموعات لمعالجة المشكلة الحقيقية. > أما مجموعة جيش تحرير السودان -كما وصفها دريج- فقد ذكر إنها مجموعة من قبائل الفور والمساليت وبعض القبائل الأخرى، وهي المجموعة التي ذكر إنها نشأت نسبة للمشكلات الحقيقية في جبل مرة، والصراع بين المزارعين والرعاة الذين تسلحوا نسبة لحركتهم تجاه البلاد الأخرى مثل مصر وليبيا، مما اضطر هذه المجموعات لحمل السلاح لأغراض الدفاع. > وتحدث دريج في ذلك اللقاء عن الوساطة التشادية لتسوية مشكلة دارفور في تلك الحقبة حيث ذكر أنه يرى أن الوساطة التشادية لن تكون مجدية في ذلك الوقت، وذلك نسبة لظروف داخلية تخص الرئيس التشادي إدريس دبي والصراع التاريخي بين فروع الزغاوة المختلفة، حيث أن المجموعة المتمردة في دارفور من فرع الزغاوة «كوبي»، كما أن مجموعة خليل إبراهيم هم أصلاً ضد الرئيس دبي ويمارسون عليه الضغوط، بل يمكن أن ينقلبوا عليه، كما أن الزغاوة عموماً لهم أطماع في حكم السودان مثلما حكموا تشاد، بيد أن دريج يرى إن وضع السودان يختلف وأن الزغاوة لن يمكنهم حتى السيطرة داخل إقليم دارفور. > وختم دريج حديثه في ذلك اللقاء بأن ما يدور في دارفور لا يسر، ولا بد من تجاوز ذلك لمعالجة القضية، وأن تمارس الدولة دورها في توفير الخدمات والتنمية والأمن، وكذلك لا بد من توعية المواطنين في السودان بمفهوم المواطنة، وعدم تجاهل الجهات المؤثرة وخاصة أهل الريف وزعماء العشائر. > وكما جاء في كتاب «يوميات نيفاشا» فقد قدم الأستاذ علي عثمان محمد طه شرحاً حول الاجتماع بدريج لأعضاء الوفد الذين لم يحضروا اللقاء حيث أشار الى أن دريج كان قد أحجم عن المشاركة في مؤتمر ألمانيا للمهمشين مرتين في ذلك الحين، وذلك لقناعته بأنه جزء من نشاط د. علي الحاج آنذاك، كما أنه ملتزم بعضويته في كيان تجمع المعارضة في تلك الحقبة المفصلية والفاصلة، ولذلك أشار الأستاذ علي عثمان حينها الى أن دريج جاء الى اللقاء بروح طيبة خاصة وإن كان قد أعلن رفضه للعنف حينها، وأوقف اتصالاته مع شريف حرير منذ إعلان الأخير المشاركة في العمليات العسكرية المناهضة للحكومة في تلك المرحلة. وربما كانت لنا عودة..