تحقيقات وتقارير

الكهرباء “تقطع” في رجب من أجل الاستقرار في رمضان


“أنا ماشي البيت..”.. عبارة يلقيها أحد الموظفين على مسامع زملائه عند الساعة الواحدة من نهار أمس (الخميس)، كان للخطوة ما يدعمها، كأن العرق المتصبب على الملابس يقول: “هذه المكاتب لا يمكن احتمالها دون أجهزة تكييف”، وأجهزة التكييف لا تعمل في ظل انقطاع التيار..
كانت الخرطوم أمس مدينة تهب نفسها للانقطاع، غابت عنها الكهرباء لترسم صورا مختلفة، العائد إلى منزله بدا وكأنه هارب من الصهد وإليه، إذ لم تكن البيوت بأفضل حالاً من المكاتب.

مكتب المسؤولية في شركة نقل الكهرباء يفسر ظاهرة غياب التيار بحضور الصيانة. وبحسب المركز القومي للتحكم فإن سياسات احترازية تم تبنيها وذلك بخفض السحب من السدود تحسباً لازدياد الطلب على الكهرباء في رمضان وتذبذب إيراد النيل الناتج عن شح الأمطار فوق الهضبة الإثيوبية، وبحسب إفادة في تعميم صحافي أصدره مركز التحكم القومي بالشركة السودانية لنقل الكهرباء، فإن الانقطاع في رجب هدفه الاستقرار في رمضان، وفق مبررات شركة نقل الكهرباء.

لكن انقطاع التيار في رجب أيضاً صعب، رغم أن البعض يمكن أن يقتنع برؤى ومبررات الهيئة، فاليوم بلا تيار يبدو غير محتمل في الخرطوم التي ترتفع درجات الحرارة فيها، ومؤكد أنه سيؤدي إلى انقطاع الإنتاج وتذبذبه.
في المنطقة الصناعية يجلس عمال الميكانيكا على الأرض مكتفين بلعب الورق واحتساء أكواب الشاي والقهوة وتبادل الحكاوي التي وصلت إلى نتيجة ختامية مفادها أن خميسهم في ذمة الكهرباء القاطعة ولا حل يمكن انتظاره.. يقول أحد الميكانيكية إنهم صاروا متوافقين مع هذه القطوعات فلا خيار أمامهم بل إن الأمر بات لا يحتاج حتى مبررات “هي كهربتهم يجيبوها وكت يدوروا ويقطعوها في اللحظة التي يقررونها هم وما علينا سوى الانصياع”.
لكن، على عكس رؤية القبول فإن آخرين يمضون في طريق أنه طالما أنك تدفع القيمة مقدماً فالواجب أن تحصل على مقابلها تياراً منساباً إذ لا يستوي أن تدفع نقودك دون أن تحصل على مقابلها كهرباء.

الحكومة قالت قبل فترة إن الكهرباء لا تغطي منصرفاتها، وإن الاستقرار في التيار يتطلب زيادة الأسعار، قبل أن تتراجع عن ذلك تحت ضغوط المواطنين الذين يجب عليهم الآن التعايش مع الندرة ما داموا لم يدفعوا أموال الوفرة.
في خميس غياب التيار الخرطومي تطالب شركات الكهرباء منسوبيها بالترشيد، فهو السبيل الوحيد نحو الاستقرار، خصوصاً في أوقات الذروة، لكن.. هناك حانق يرد على هذا بالقول: “ياخ نرشد المافيش؟ دي ما أدونا ليها”.
في جمعة ما بعد خميس الغياب يقول مسؤولون في شركة التوزيع إن العطلة يوم للترشيد، وهم يوجهون تهمة الاستهلاك العالي نحو مكيفات المكاتب الحكومية والشركات الخاصة طوال ساعات الدوام.

الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي