الصادق الرزيقي

القصة أكبر ..!


> تشكيل حكومة في دولة جنوب السودان بعد خلاف دموي وصراع حصد مئاف الألوف من الأنفس، وتسوية قضية الحرب في هذه الدولة التي لم تمضِ على ولادتها سوى أعوام قليلة، أمور تدعو للتساؤل.. كيف ولماذا..؟ > فدولة لا تمتلك من الموارد سوى بترول لا يغطي احتياجاتها الفعلية، وهو يمثل 98 % من ناتجها القومي الإجمالي، ولا تحوز على خبرة أو دور يؤهلها لتكون نقطة ارتكاز اقتصادية أو سياسية في مجالها الإقليمي أو يمكنها من تقديم أنموذج للبلدان الإفريقية في التنمية والإدارة وحسن إدارة الموارد وتأهيل المورد البشري.. ولا يمكن الرهان عليها في المستقبل القريب كبلد صاعد أو اقتصاد يتأهب للحصول على نقاط تعافٍ شبه مضمونة..! فكيف ولماذا مد لها وبسرعة طوق نجاة..؟! > دولة لم تزل في مرحلة تكوين، لا تمتلك جيشاً قومياً، جيشها عبارة عن مليشيا متمردة سابقة، تسيطر عليه قيادات قبلية لا يمكنها الاتفاق في يوم من الأيام مع بقية القبائل الأخرى أو تسمح لعناصر تلك القبائل ببلوغ مواقع عسكرية تكفي لصناع قرار داخل الجيش، ولا توجد مؤسسات حكم وإدارات مدنية فاعلة تستطيع قيادة دولاب دولة بشكل رشيد وجيد ومنضبط.. كما لا توجد حتى الآن مؤشرات لتحقيق استقرار كامل يجعل الكثير من القوى الدولية تستفيد من مواردها أو ثرواتها الشحيحة أو المعدومة أصلاً، سوى البترول المتناقص في احتياطاته المتراجع في أسعاره المرتفع في تكاليف استخراجه وتصديره..! > قصتها أعقد مما نتصور.. ليس لدولة جنوب السودان، أية قيمة في الميزان الجيوإستراتيجي في المنطقة، ولولا أنها كانت جزءاً من السودان وارتبطت بأطول الحروب الإفريقية، ولا تمثل هذه الدولة أية حيثية سياسية ذات أهمية قصوى في تركيبة هذا الجزء من إفريقيا، ولم تدخل في منظومة الأمن الإقليمي لدول شرق إفريقيا وليس لديها ما يمكن أن تقدمه، فلماذا كان التكالب الدولي ومن دول الإقليم، لإنهاء صراعاتها وإرغام حكومتها والمعارضة على إمضاء الاتفاقية ومن ثم تهديد قادتها بالعقوبات الدولية في حال التقاعس عن تنفيذها..؟ > القصة وما فيها، أن الدوائر الغربية التي رعت مشروع دولة جنوب السودان منذ أن كانت فكرة، لم تشأ أن تفشل الدولة التي رعتها وهي جنين ثم ولدت ولادة قيصرية صعبة، وكان التصور أن تولد دولة مثل الشوكة الحادة السامة تطعن على خاصرة السودان وتؤدي بانفصالها أدواراً مرسومة بدقة تؤدي إلى انهيار وتفكك أكبر بلدان القارة الإفريقية وأكثرها إثارة للحنق الغربي.. > وهذه الدوائر التي ارتبطت ارتباطاً عضوياً بالتخطيط الإستراتيجي الصهيوني، استنهضت مشروع الآباء المؤسسين لدولة إسرائيل، خاصة بن غوريون، الذي رسم مسار قضية جنوب السودان من ذلك الوقت، ووجهه نحو الهدف الصهيوني، فما جرى في السودان منذ ارتباط الحركة الجنوبية المتمردة والنخب السياسية نهاية عقد السنوات الخمسين من القرن الماضي، ومروراً بالتمرد في فترة الستينيات، حيث تلقى قادته ومنهم جوزيف لاقو التدريب العسكري والدعم من تل أبيب، كما اعترف جوزيف لاقو لاحقاً، ثم تمرد جون قرنق وولادة حركته من الرحم الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث رعته مجموعات وأسماء لاتزال ناشطة في الضغط لصالح دولة جنوب السودان، فكل هذه الحلقات المتصلة، كانت ذات هدف واحد، هو ربط الأوضاع في السودان، وما يجري فيه، بقدرة دولة جنوب السودان على الإيذاء لجارها الشمالي في ظل نظام حكمه الحالي.. حتى يتم تغييره أو إعادة تركيبه من جديد على ذات الأسس التي قام عليها المشروع الذي جعلوا من جون قرنق معبراً عنه، ولم يزل هذا المشروع قائماً ولم تتغير أوجه تنفيذه بالتمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحركات دارفور المتمردة.. > ربما تحتاج هذه التساؤلات الى إجابات أوسع وأكبر في تطورات قضية جنوب السودان ومآلاته المتوقعة وآفاقه المفتوحة على احتمالات متعددة، لكن بكل الزوايا التي قد ينظر منها الناظر إلى قضايا الدولة غير المكتملة النمو، فإنه لن يعدم أن يجد تفسيراً غير هذا لما حدث وسيحدث، ولماذا ترك العالم أزمات كثيرة في مناطق أكثر تأثيراً واتجه لقضية في منطقة كان يُقال إنها.. منسية ..!!