د. ياسر محجوب الحسين

تظاهرات الخرطوم..تَحَدٍّ خطير


التظاهرات الطلابية التي عمت العاصمة السودانية الخرطوم وعددا من المدن الأخرى طيلة الأسبوع الماضي، مثلت تحديا حقيقيا لحكومة الرئيس عمر البشير..ولم ينحصر هذا التحدي في الجانب الأمني، فمع أهميته وخطورته إلا أن هناك جانبين آخرين تمظهر فيهما هذا التحدي؛ الأول مبدئي، والثاني سياسي.

فالحركة الإسلامية وهي المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم أو هكذا يجب أن تكون، كانت حركة تسعى للحوار والمشاركة في اﻻنتخابات والعمل السياسي، أي مثلما قدمت نفسها للناس على أنها حركة ديمقراطية تؤمن بالأساليب الديمقراطية. لكنها في العام 1989 قامت بانقلاب عسكري أتى بالنظام الحالي. أما الجانب الآخر للتحدي وهو الجانب السياسي، فقد طرح الحزب الحاكم الحوار الوطني باعتباره مخرجا للأزمة السياسية، بيد أنه لا سبيل لنجاحه إلا بتجديد القيادة، والتطبيع مع المجتمع السوداني. وفضلا عن انهيار الجانب المبدئي بحدوث الانقلاب، فإن حالة الغليان الحالية وطريقة التعاطي الحكومي معها دمرت الجانب السياسي بما في ذلك وقف التطبيع مع المجتمع عبر إعمال آلة القمع الأمني.

أسوأ النتائج الكارثية للتظاهرات التي عمت أحياء العاصمة الخرطوم وبعض مدن الولايات، مقتل طالبين على الأقل بالرصاص خلال أسبوع. وكان ذلك أكبر دليل على فشل المعالجة الأمنية، وقُتل محمد الصادق، بطلق ناري بجامعة أم درمان الأهلية، التي يدرس فيها بكلية الآداب المستوى الثاني. وهو الحادث الثاني في أقل من أسبوع بعد مقتل الطالب أبوبكر صديق الذي يدرس بالمستوى الأول بكلية الهندسة في جامعة كردفان غرب السودان.

وشهدت الخرطوم تظاهرات طوال الليل منددة بالحكومة ومطالبة بإسقاط النظام والقصاص من القتلة. فخرجت المظاهرات من جامعات عدة ومن العديد من أحياء العاصمة فيما اندلعت احتجاجات مماثلة في مدينتي كوستي ونيالا. ولم تفوت الأحزاب المعارضة الفرصة لاستثمار الحدث فقد شاركت في بعض التظاهرات قيادات حزبية، وخاطبت تشييع جنازة الطالب القتيل مطالبة الجماهير بالثورة على حكم البشير.

ولم يكن البيان الرسمي لوزارة الداخلية مقنعا حين ذكرت أن الطالب المقتول قُتل بعد إصابته في ركن نقاش بالجامعة. فيما اتهم بيان صدر عن أمانة الطلاب بالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم إن الجبهة الثورية المعارضة المسلحة هي التي تسببت في مقتل الطالب وطالب البيان بعدم إقحام الطلاب في الصراع ضد الدولة.

والمدهش أن هذه الأحداث الدامية تزامنت مع زيارة الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان اريستيد ننوسي، وقد جاء الرجل لحث الحكومة على التحقيق في احتجاجات سبتمبر 2013 وتقديم المتورطين في قتل المتظاهرين للمحاكمة رغم شروع الحكومة في تعويض ذوي الضحايا. وهي أحداث مماثلة سقط فيها العشرات خلال احتجاجات اندلعت بسبب رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، وأقرت الحكومة بسقوط 85 قتيلا في تلك الأحداث لكن منظمات حقوقية قالت إن عددهم 200 قتيل.

لقد ظلت الجامعات السودانية في حالة نزيف طلابي منذ أكثر من نصف قرن؛ والنزيف المقصود هنا ليس فاقدا تربويا أو قصورا تعليميا، وإلا لكان الأمر هينا.. العنف الطلابي بسبب النشاط السياسي غير الرشيد حصد وما زال يحصد العشرات من شباب واعد غض الإهاب.. النخب السياسية حكومة ومعارضة تتحمل مسؤولية جريمة العنف ضد الطلاب وبين بعضهم البعض بسبب السياسة. وليس ذلك العنف سوى امتداد للأزمة السياسية الحادة في السودان، ولا يمكن عزله عن ذلك بأي حال من الأحوال في ظل ممارسة سياسية غير رشيدة قائمة على الاستقطاب الحاد.

الحكومة تتعمد حجر العمل السياسي على معارضيها وتضع أمامهم كل عقبة كؤود.. ولو أن حرية العمل السياسي متوافرة لما لجأت الأحزاب إلى نقل نشاطها الحزبي إلى ساحات الطلاب في انتهازية واضحة..هذه الأحزاب لم تقدم للبلاد والعباد طيلة (59) عاما بعد ذهاب الاستعمار إلا فشلا ذريعا.

السؤال الملح هو: ما هي ضرورة ممارسة الطلاب للسياسة؟ وهل يكفي أن يسمح بها مع اشتراط عدم ارتباطها بالنشاط الحزبي خارج أسوار الجامعات؟ الواقع لا ضرورة البتة لممارسة الطلاب للسياسة، حتى لو كانت بمعزل عن النشاط الحزبي خارج أسوار الجامعات. بل المطلوب تثقيف سياسي بمعنى إطلاع الطالب وتوعيته بكافة قضايا مجتمعه. ويقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم. وكذلك تعني أيضًا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم. وإن أردنا أن يمارس الطلاب العمل السياسي بشكل راشد مستقبلا فعلينا أن نبدأ من دور الحضانة وحتى دخولهم الجامعات حيث يتم تعليم الأطفال كيفية قبول الآخر، وكيف يختلف شخص مع شخص ويكون صديقه.


تعليق واحد

  1. يجب ايقاف وتعليق النشاط السياسي في الجامعات السودانية جميعا في هذه الفترة ولمدة سنتين لان الجامعات مخترقة من مخابرات دول الجوار والسفارات وبالذات مصر وحركات التمرد السودانية

    اتمني ان يصل صوتي الي المسؤولين

    الاحزاب السودانية بما فيها الحزب الحاكم وبالتالي القوات المسلحة والمخابرات مخترقة من قبل مخابرات بعض الدول عن طريق السفارات والجاليات والافراد

    ومايحصل من مشاحنات في الجامعات في هذه الايام اكبر دليل لخلق بلبلة ومظاهرات بعد هزيمتهم في دارفور وكردفان والنيل الازرق

    يجب ان تكون المعلومات بخصوص القوات المسلحة وخططها وتحركاتها واجتماعاتها حكرا فقط لقادة الاجهزة الامنية وان لاتسرب اي معلومة الي الاحزاب المتحالفة او حزب المؤتمر الوطني وقطاع الطلاب بوجه خاص باستثناء رئيس الحزب الحاكم ونائبه فقط ووزير الدفاع وقادة الاركان ومدير الامن فقط لاغير

    اتمني الانتباه لهذا هناك مؤامرة كبيرة تجاه البلد كلما تقدمت قواتنا المسلحة في الانتصارات

    يجب ان تتبني الحكومة احتفالات مؤيدة للجيش في انتصاراته في اسرع وقت ممكن بعد هدوء الاحوال والقبض علي الخلايا النائمة في الخرطوم

    حتي يعرف السودانيين قيمة ماتفعله القوات المسلحة لحفظ امنه وكرامته

    اعلام القوات المسلحة ضعيف يجب تقويته في هذه الفترة ليطمن المواطن ويبث الذعر والخوف في نفوس الخونة والعملاء من اتباع عقار وعرمان وجنودهم