رأي ومقالات

الانقاذ والجامعات: بلاش كلام فارغ!


(1)
لا أظن ان هناك في الدنيا كلها حكومة (مرتاحة) وهانئة وهادئة و(ضاربة طناش) من كل شئ حولها، غير حكومة العصبة المنقذة. مثلها الأعلى تمثال أبوالهول، وشعارها الطين والعجين، فهي تسد بالأول اذنها اليمنى، وبالثاني اذنها اليسرى!

خلال الايام الماضية انقلبت الدنيا، وقامت ولم تقعد، ومر بجهاز الآيفون الذي يخصني من البيانات المزلزلة المجلجلة من الاحزاب والتنظيمات والقوى المختلفة، التي تدافعت للاستثمار في النزاع الطلابي بجامعة امدرمان الاهلية ما لا يبلغه الاحصاء. فهمت منها ان الشعب قد انتفض، وان الثورة الموعودة قد انطلقت. ورأيت مئات الصور الفوتوغرافية لما يفترض انها مواكب هادرة منطلقة الى القصر حتى النصر. قلت في عقل بالي الحمد لله ثم الحمد الله، أخيراً سينتهي عهد العصبة المنقذة الذي طال واستطال. وسيرتاح اصحاب (من اجل ابنائي) و(دعوني اعيش) من الشعر الزائد فيحلقون ذقونهم. وتعود الديمقراطية الويستمينسترية لتظللنا، وتملأ بيوتنا دقيقا وسمناً وعسلاً ولبنا، تماما كما ملأت بيوت الفرنجة في بلاد أمنا جلالة الملكة اليزابيث، أطال الله عمرها.

فرغت من تلال البيانات الثورية والصور الفوتوغرافية، ثم فتحت تلفازي على قناة السودان، وجلست انتظر رئيسنا عمر البشير ليأتي ويخاطبنا فيقول: أنا فهمتكم”. ولكنه لم يأت. معليش. الفهم قسم!

وطفقت بعدها اقلب بحماسة شديدة بحثا عن بيان يعكس الوجه الآخر من العملة، وأجد فيه وجهة نظر احبابي في العصبة المنقذة حول احداث الجامعة الاهلية، فلم أجد شيئاً. الشئ الوحيد الذي وقعت عليه هو بيان مقتضب أصدرته الشرطة، يتحدث عن حادث مقتل الطالب في جامعة ام درمان الاهلية، بأسلوب تقليدي معتاد عن الأجهزة الشرطية!
(2)
كتب الاستاذ عثمان جلال الدين، نائب الأمين السياسي لحركة “الاصلاح الآن” التي يتزعمها الدكتور غازي صلاح الدين، وفي علم الكافة أنه تنظيم معارض، ضمن مقال له قبل أيام معقباً على احداث جامعة ام درمان الاهلية: (الحزب الحاكم وبالمنطق السياسي الراهن ليس من مصلحته التصعيد واثارة العنف …. قراءتنا الآن للواقع الجيوسياسي الكلي في السودان بمعطياته الاقليمية والدولية تدل على أن الحزب الحاكم وقيادته السياسية ليست من مصلحته توتير وتصعيد الاجواء السياسية). وعبّر صاحبنا حليف غازي عن قناعته بأنه لو حدث ان تورط بعض طلاب حزب المؤتمر الوطني في صراعات مع رصفائهم من طلاب التنظيمات الاخرى داخل الجامعات، فلا بد ان يكون ذلك من قبيل التفلت والجنوح الفردي لدى بعض طلاب الحزب الحاكم. وأنا اتفهم تماما تحليل هذا السياسي القيادي المعارض للنظام، فالمنطق الذي يربض في جوفه وفير.

ولكن، ومع ذلك، فإن الوقائع الماثلة تقول بأن الجامعات السودانية تشهد صراعات حادة تصل درجة الاقتتال بالاسلحة المختلفة بين منسوبي حزب المؤتمر الوطني وخصومهم من مناصري الحركة الشعبية وتنظيمات التمرد الدارفوري وعلى رأسها الطلاب المنتمين لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور. ويتهم كل جانب الطرف الآخر بأنه من بادر بالاعتداء. ولست هنا في مقام المحقق الجنائي، كما أنه ليس من اغراضي هنا الوصول الى الحقيقة في أمر الاقتتال الطلابي والمسئولية عن قتل هذا الطالب او ذاك. ليس ذلك من أشغالي، بل هو من شغل الشرطة وادارات الجامعة.
(3)
الذي هو من أشغالي. بل وأكبر همي هو موقف الدولة، على مستوى اجهزتها السياسية والعدلية والامنية والشرطية من الظاهرة التي يمثلها هذا الواقع الشاذ، واقع وجود تنظيمات طلابية تمثل الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركات التمرد الدارفورية في ساحات الجامعات والمعاهد العليا.

قبل فترة حدثت اضطرابات في إحدى الجامعات في إثر اقتتال طلابي بين منسوبي حزب المؤتمر الوطني واتباع تنظيم حركة تحرير السودان الذي يدين بالولاء لرئيسه عبد الواحد نور. فقد أقام انصار عبد الواحد معرضاً وضعوا فيه صوراً لشهداء من ضباط وجنود القوات المسلحة من قتلى العمليات في غربي السودان، وكان هؤلاء يظهرون الغبطة والفرح لمقتل الضباط والجنود ويعدونه نصراً لحركتهم المتمردة. وقد اثار ذلك حفيظة الاولين فانتفضوا ضد خصومهم، وكان ما كان مما نشرته الصحف ووسائط الاعلام في حينه.

وقد كتبت يومها في ذات هذه الزاوية أقول أنني اتفهم موقف طلاب الحزب الحاكم، فهم هنا لا يصدرون في موقفهم العنيف عن ولاء لحزب سياسي، بل عن غيرة صادقة على عقيدة وطنية، فمن هو الطالب السوداني الذي ترضى نفسه بأن يرى صورا فوتوغرافية لعمه او خاله او جاره او صديقه، او أيا كان من أبناء وطنه، من رجال القوات المسلحة السودانية، مجندلين في ساحة الوغى، وقد قدموا ارواحهم فداء لبلادهم، معلقة في احتفاليات تنظيمات المعارضة وحولها الطلاب من انصار حركة متمردة تنتمي الى دارفور او جبال النوبة يغنون ويرقصون ويظهرون الابتهاج لمصرع الشهداء، ويتوعدون القوات المسلحة السودانية بالويل؟ وأين؟ في الخرطوم، فى قلب السودان العربي الاسلامي!

الواقع في جامعاتنا اليوم يشهد عليه اساتذتها الأجلاء الذين يصدعون كل يوم في مواقع الحوار الالكتروني بحقيقة ما يشاهدونه عيانا بيانا داخل حرمات تلك المؤسسات التي يفترض انها منابر للعلم والمعرفة والتنوير.

قرأت تصريحا لاستاذ بجامعة كردفان، لم اعرف له انتماءً سياسيا، أقسم فيه أنه رأى بأم عينه اشكالا والوانا من الاسلحة يعبئها ويختزنها طلاب عبد الواحد ( الذين يتلقون دراساتهم في الجامعات مجانا دون غيرهم، اذ هم معفون من الرسوم) مكدسة في داخليات الجامعة. وذكرت استاذة بجامعة الزعيم الازهري انها تشاهد انصار الحركات المتمردة من طلاب دارفور يحملون السواطير والمدى عيانا بيانا في قلب الجامعة ويشهرونها مهددين ومنذرين خصومهم بالويل والثبور.
دلوني على دولة محترمة واحدة في العالم تسمح لفصائل متمردة، تحمل السلاح في مواجهتها، بأن تقيم تنظيمات سياسية داخل حرمات جامعاتها ومؤسساتها، فتعرض برامجها وتسعى تحت انظار الجميع لتجنيد الطلاب وتجييشهم لصالح التمرد، ثم تقيم الاحتفالات والمعارض وتظهر السرور والحبور لقتل شهداء الجيش القومي؟ ما هذا العبث؟ ما هذا الخبال؟!

وبعد كل هذا يأتي من يسأل: ما هي اسباب العنف في الجامعات؟ مع أن الاسباب واضحة مثل الشمس في رائعة النهار، تشخص في قلب ساحات الجامعات وتحدث عن نفسها.
(4)
قبل فترة سمعت أحد رموز المعارضة يجيب على سؤال لاحدهم عن اسباب الاندفاع في المتاجرة برواية بيع جامعة الخرطوم مع ان الجميع يعلم انه ليست هناك خطة كهذه ابتداءً. قال الرجل الرمز: نحن نعلم ان الجامعة لن تباع، ونعلم بأن التظاهرات المستندة الى تلك الرواية لن تسقط النظام. ولكن المعارضة مطالبة بأن تهتبل اية فرصة متاحة لتصعيد العمل المعارض للحكومة، بحيث يكون هناك عمل تراكمي لاضعاف السلطة واسقاطها.

نفس الشئ يحدث الآن في حادثة الاقتتال الطلابي بجامعة ام درمان الاهلية. ذات الاندفاع الهستيري الذي تخصصت فيه تنظيمات المعارضة المتناسلة كما النمل، وهي تسعى لاستثمار الحدث سياسيا. ومن هنا كانت مئات البيانات التي سارع بها اصحابها يرجون ان ينالوا من ورائها مكانا تحت شمس الحكومة الانتقالية الموعودة في ظل نظام جديد. ومن هنا كان تدافع الناشطين السياسيين، من كل نحلة وملة، للوقوف فوق صناديق البيبسي كولا لمخاطبة اي حشد كيفما اتفق، بحيث يتمكن المعاونون من أخذ الصور الفوتوغرافية وتسجيلات الفيديو على عجل. فلا بد ان توثيق النضال، ولا بد من تثبيت المواقف والإشهاد عليها، حتى اذا بزغ فجر الانتفاضة، وأطل يوم الحساب الثوري جاء كل (زعيم) يحمل بيمينه الصور واشرطة الفيديو التي يظهر فيها وتؤكد وجوده في الساحة وهو يقود الثورة. ذلك يوم الفيديو الذي كنتم توعدون! لهؤلاء أقول: على بركة الله. كلٌ ميسر لما خلق له.

ولحكومة العصبة المنقذة هذه كلمتي: لو اردتم ايقاف ظواهر العنف والاقتتال الطلابي في الجامعات فاصدروا قانونا يحظر ويجرّم قيام فروع للحركات المتمردة في اي مؤسسة تعليمية تحت اي عنوان او مسمى. وإذا رأيتم طالباً يحمل صور عبد الواحد والحلو ويهتف لهم فأمروا بالقبض عليه وايداعه السجن لفوره. فإما ان تكون هناك دولة، او لا تكون!

أما ما يحدث اليوم في حرمات الجامعات فإن اقل ما يمكن ان يوصف به هو انه كلام فارغ!

مصطفى عبد العزيز البطل


‫8 تعليقات

  1. سلمت وتربت يداك .. مقال جرئ و رائع جدا وكما الطبيب تضع دائما يدك على الجرح فتشخص الحاله والعله والعلاج. اتمني وأدعو من كل قلبي ان يعمم نشر هذا المقال الجميل في كل الصحف والمواقع الاسفيريه وان تأخذ الدوله والحكومه بتوصياته فورا ومنذ اليوم حتي يميز الخبيث من الطيب وحتي تعود للبلاد و للجامعات هيبتها ومكانتها ولكي يوضع الحد والعقاب لكل متمرد مأجور و كل خائن وعميل.

    اضعو وفعلوا اللوائح والقوانين الصارمة تماشيا مع الدستور لتمنعوا انتشار سرطان وتأثير الحركات المتمرده في جسم جامعاتنا. .. لقد لقنت قواتنا المسلحه الباسله درسا ومازالت لكل المتمردين في جبهات القتال في دا فور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق حفظا للبلاد والعباد واحتسبت البلاد العديد من شهداء الوطن الابرار فكيف يسمح لشرزمه من أتباعهم للتغلل بيننا وإشعال الفتن والحروب بعدما هزمو وفرو في الميدان .. اضربو بيد من حديد علي كل مارق وخائن رعديد ولاتسمحوا لهم بأن ينفذوا اجندتهم الخربة الخارجيه لتدمير البلاد وتقسيمها بتدنيس جامعاتنا. حفظ الله بلادنا الحبيبه من شرور الأعداء وكيد المتمردين والخونة والمارقين ..

  2. سلمت يداك يا بالبطل فعلاً انت بطل بعدين يا عزيزنا الكاتب الفذ ما لينا زمن بنفتش ليك وظهرت الليلة على النيلين مقالاتك دائماً ( dessert ) لدىّ لك الف تحية .

  3. لابد من الحسم فى الجامعات
    حتى لو تطلب الامر وجود مخبر قصاد كل طالب
    ابناء دارفور تعلمو على الدلع وهذا سئودى بنا جميعا للتهلكه
    هذا المقال يجب ان يتم تطبيق ما فيه حرفيا

  4. السلام عليكم،، المقال قوي ويضع الكثير من النقاط على الحروف،، فهنيئا للكاتب الجسور الذي عبر عن قناعاته بقوة،، في زمن إنتشر فيه النفاق الصحفي والفكري،،، فالعدالة تقتضي ان يكون كل ابناء الوطن على اساس واحد كما يدعو ديننا الحنيف،،، ويجب الا يكافأ من يحمل السلاح ضد الحاكم ابدا،،، والا اصبحت فتنة،،، والله خير حافظا،، وهو نعم الوكيل،،،،

  5. المشكلة في (بعض) سكان الخرطوم المغفلين، الذين يهللون لهؤلاء الطلبة الذي يكدسون كل هذه الاسلحة انتظارا لساعة الصفر …
    و لا يدرون انهم سيكونوا أول الضحايا حيث لا تثنى المجازر العنصرية أحدا بسبب انتمائه السياسي..
    كما حدث في توريت و زنجبار و رواندا …
    بالاضافة الى (مناظر الفيلم) التي رآها الناس بأم أعينهم يوم الاثنين الأسود و في أب كرشولا …
    و العاقل من اتعظ بغيره.

  6. سلمت ايها البطل نامل ان يكون هناك (سكيرتي) رجل امن جامعي يحفظ النظام ومخول له كل شي من تفتيش ومنع للدخول في حالة المخالفة ووقف لما يسمى اركان النقاش في الجامعات لعمري لم نسمع بها في جامعات العالم سمعنا باليالي الادبية والثقافية ولكن لم نسمع عن قيام منصات للاقتتال في الجامعات اي حرية هذه كما اشار الكاتب التي تسمح كل يوم بإشعال نار الفتنة وسط الطلاب هل الجامعات لتعليم التحزب والتشرزم وتعليم اساليب الخصومة وسب الوطن وتحدي سيادة القانون والعصيان؟
    على الحكومة ان توقف هذا العبث واحالة كل من يخالف قانون الجامعات للمحاكم وانزال اقصى عقوبة عليه بعد حرمانه من الدراسة … غلبهم الجيش في في ساحات الوغي والتي كانوا يتشدقون بها ويتحدون الجيش الذي قهرهم اتو يبحثون عنها في في ساحات العلم …. نقول لهم ايها الجبناء المتخفون في فنادق الغرب المتخمون بلحوم الخنازير الشاربون من بارات العواصم التي لا تنوم انهزمتم في كل شبر لا تغروا طلابكم وترموا بهم في الهلاك وانتم آمنون.

  7. يجب ايقاف وتعليق النشاط السياسي في الجامعات السودانية جميعا في هذه الفترة ولمدة سنتين لان الجامعات مخترقة من مخابرات دول الجوار والسفارات وبالذات مصر وحركات التمرد السودانية

    اتمني ان يصل صوتي الي المسؤولين

    الاحزاب السودانية بما فيها الحزب الحاكم وبالتالي القوات المسلحة والمخابرات مخترقة من قبل مخابرات بعض الدول عن طريق السفارات والجاليات والافراد

    ومايحصل من مشاحنات في الجامعات في هذه الايام اكبر دليل لخلق بلبلة ومظاهرات بعد هزيمتهم في دارفور وكردفان والنيل الازرق

    يجب ان تكون المعلومات بخصوص القوات المسلحة وخططها وتحركاتها واجتماعاتها حكرا فقط لقادة الاجهزة الامنية وان لاتسرب اي معلومة الي الاحزاب المتحالفة او حزب المؤتمر الوطني وقطاع الطلاب بوجه خاص باستثناء رئيس الحزب الحاكم ونائبه فقط ووزير الدفاع وقادة الاركان ومدير الامن فقط لاغير

    اتمني الانتباه لهذا هناك مؤامرة كبيرة تجاه البلد كلما تقدمت قواتنا المسلحة في الانتصارات

    يجب ان تتبني الحكومة احتفالات مؤيدة للجيش في انتصاراته في اسرع وقت ممكن بعد هدوء الاحوال والقبض علي الخلايا النائمة في الخرطوم

    حتي يعرف السودانيين قيمة ماتفعله القوات المسلحة لحفظ امنه وكرامته

    اعلام القوات المسلحة ضعيف يجب تقويته في هذه الفترة ليطمن المواطن ويبث الذعر والخوف في نفوس الخونة والعملاء من اتباع عقار وعرمان وجنودهم

  8. يجب ايقاف وتعليق النشاط السياسي في الجامعات السودانية الي الابد

    هذا سيحل حزء كبير من مشاكل البلاد واسباب الفرقة والتمزق