تحقيقات وتقارير

“الباقي أجمل” رغم كل شيء تظل الصحافة السودانية “صمام الأمان” والأكثر تأثيراً.. لا تمتص الفشل الحاضر في الساحة.. بل تؤثر إيجابا وتتجاوز الفعل السياسي للأحزاب


طبقاً للبروفسير على شمو الرئيس السابق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات في تقييم سابق فإن “الصحافة السودانية تمر بصعوبات جمة وإشكالات معقدة” ويعزو الأمر لعوامل سياسية واقتصادية ومهنية، ويؤكد أن الأمر يثير قلق العاملين في الصحافة وأيضا المهتمين بها وباستمراريتها وتطورها، على حد سواء، وهذه العوامل الحادة تجعل الصحافة السودانية على حافة الخطر الحقيقي، أي الاختفاء أو الإغلاق. في الأثناء يقول أحد أهل الوجعة إن أزمة الصحافة الآن أضحت أزمة مركبة، ويرى أن ثمة تأثيرات تتداعى بسببها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والمهنية أيضا، لكنه يشير بصورة أوضح وتأثير أقوى للتماس السياسي. ووفقاً للصحافي يوسف حمد فإن أي تردي سياسي أو اقتصادي ينعكس على الصحافة رغم أن الصحيح، حسب فلسفته، أن تبقى الصحافة (صمام أمان) لا تمتص الفشل السياسي، وبالتالي تؤثر عليه إيجابا.

يعود محدثي أيضا للتذكير بأن الصحافة الآن تعايش حالة توهان مهني وصعوبة في مفهوم الحيادية، حيث ينوه إلى أن المهنية أصبحت (آفة) على الصحافة كونها اختزلتها في الرأي والرأي الآخر وحددتها بطبيعة صراعية بين شخصين اختفى بسببها الطرف الثالث الذي تمثله قدرات ومجهودات الصحفي في الوصول إلى المعلومة المتحررة من نقل مواقف السياسيين تجاه القضايا، ويؤكد أن الصحافة الآن أصبحت سياسية بل وحزبية باعتبار أن الصحافي لا يجري اختبارات لأقوال السياسيين وتطابقها على أرض الواقع وأضاف: “على الصحافي أن يفحص حديث السياسيين من مظان المعلومات الحقيقية في الشارع وعند المواطنين”.

أفواج المهاجرين من الصحافة السودانية لجهة ضعف الأجور فيها، ليس هو ما يؤرق أهلها فعليا، وطبقاً ليوسف حمد نفسه فإن قرار الهجرة عند الصحافي تمليه ظروف قاهرة في جانبها المادي، وأضاف: “علينا أن نتأكد أن الصحافي عندما يهاجر يصبح بيته خاليا من الرغيف”، ويلفت إلى أن الصحافي في الأصل لا يعتمد العائد المادي هما شاغلا لمهنته ويؤكد أن الصحافيين في الغالب يعملون بالحد الأدنى للأجور، بل ويشير إلى أن بعضهم يتمسك بعمله حتى في حال لم يصرف راتبه لثلاثة وأربعة أشهر.

لكن الكثيرين ممن يشفقون على واقع الصحافة ينظرون للإرث الكبير الذي تمثله الأقلام لقرن ونيف، ويقول يوسف إن الصحافة وعلى علاتها ما تزال تؤدي دورها، ويشير إلى أن الموروث الصحفي يؤكد أننا متفوقون على الصحف التي تصدر باللغة العربية، وأن نشأة الصحافة السودانية في بيئات سياسية أفضل من نظيرتها العربية تجعل اندثارها أمرا مستحيلا، ويقول إن الصحافة استطاعت التغلب على النظم المختلفة والشموليات المتعددة لتنتج نفسها من جديد.
حسناً، بالنسبة لعميد الصحافة السودانية وصاحب التجربة الثرة ورئيس تحرير صحيفة الأيام محجوب محمد صالح فإن “الصحافة السودانية تعيش أسوأ أيامها”. محجوب الذي ولج بلاط صاحبة الجلالة في العام 1949 يؤكد مقولته استناداً على القيود التي تكبل العاملين في المهنة بتعدد مشاربها ويقول بأنها الفترة الأصعب للعمل الصحفي في السودان في إشارة للقيود المضروبة على المهنة. وعلى الرغم من أن العبارة كانت قد جرت على لسانه قبل عامين، إلا أن الأوضاع طبقاً لمراقبين تزداد سوءاً الآن، ليبقى السؤال الرئيس؛ إن كان ذلك هو واقع الأمس واليوم فماذا عن المستقبل؟

تقول الرائدة الصحفية آمال عباس إنها تصاب بالفرحة والدهشة كلما طالعت جهداً صحفياً للجيل الجديد وهو يستخدم القوالب الصحفية علي طريقته الخاصة مستنداً على ثقافة عالية ولغة تتسم بالجزالة والوضوح وأفكار خلاقة. هذه الصور يمكنها أن تمنحك طمأنينة كبيرة بأن الغد سيكون أفضل مما مضى وبمراحل. السيدة التي تبوأت أول مقعد لرئاسة التحرير لصحيفة يومية في المنطقة، تقول إنها تتابع ما يحدث عن كثب وتستمتع به بل أنها لا تجامل لو قالت إن هذا الجيل أفضل من الأجيال السابقة وبمراحل كل ما يحدث الآن يجعلها تقول بأن المستقبل عند أقلام أمينة ولا يمكن الخوف من اندثار الإبداع رغم التحولات في كل المشاهد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً أو حتي على مستوى التكنولوجيا.

من جهته يؤكد الحاصل على جائزة (ماكنمان) للشجاعة الصحفية فيصل محمد صالح على سوء الأوضاع الراهنة وعلي مقولة إنها أسوأ أوضاع يمكن لصحفي معايشتها. محمد صالح يؤكد على أن كل المشكلات تقع على رأس الصحفيين من السلطة ومن الناشرين ومن الواقع المعيش أي سوء الأوضاع المعيشة وأن الصحف مهددة في كل لحظة, كل هذه الأوضاع لا يمكن أن تجعلنا نضع الأمل خلف ظهورنا. الأوضاع تراجعت للوراء عقب سنوات نيفاشا من العام 2005 وحتي العام 2010. فيصل يؤكد صعوبة تحسين الأوضاع بعيداً عن التحولات السياسية فالعامل السياسي هو المؤثر على واقع الصحافة لكنه يعود ليقول إنه برغم ما يحدث فلا يمكن إهمال الإشراقات في الصحافة فهي تبدو الأكثر قدرة على التأثير مقارنة بالمؤسسات الأخرى سواء أكانت سياسية أو اجتماعية ولها القدرة على التعبير عن مطلوبات المجتمع وقيادة الرأي العام وربما هذا الأمر هو ما يضعها في مواجهات مباشرة مع السلطة فهي الأقدر على التعبير عن الرأي العام وهي أدوار يجب تعظيمها والنظر إليها من خلال هذا المنظار, كما أن فيصل يتحدث عن جيل جديد من الصحفيين مؤمن بالمهنة ويملك المقدرات التي تمكنه من تحقيق أهدافه على المديين القريب والبعيد. فيصل يقول إن التمسك بالمهنة في ظل هذه الظروف نقطة إيجابية تعبر عن هذه القناعات وتوظيفها لخدمة الأهداف الكلية للمجتمع والوطن .

وفي الإيمان بقدرة الجيل الجديد على قيادة الدفة تقول الصحفية بصحيفة التيار، شمائل النور”صحيح، الآن الصحافة تمر بمرحلة عسر، وتتهيأ السلطة للانقضاض عليها، بل يمكن القول إنها تفرغت تماما للمعركة، وهذا ليس لشيء سوى أنها الأكثر تأثيراً بل تجاوزت الفعل السياسي للأحزاب، وفي الصحافة الآن شباب واعد مستعد لأن يقاتل لأجل المهنة حتى آخر رمق، رأيت ذلك من خلال تجربة إضراب التيار، صغار الصحفيين والمتدربين كانوا الأكثر صمودًا وثباتاً، والحديث مازال لشمائل، ولك أن تتخيل أن شابة أو شاباً يافعاً بدأ حياته المهنية بإضراب عن الطعام احتجاجًاعلى وضع الحريات، كيف يكون مستقبله، مشرقاً دون شك”. يقين شمايل بقدرة الجيل الجديد علي العبور بالمهنة إلى بر الأمان يجد ما يدعمه من الواقع فقبل أيام قلائل كان الصحفيون السودانيون يتبادلون تهانئهم لاختيار الصحفية بصحيفة (اليوم التالي) سلمى معروف للتنافس على الحصول على أفضل جائزة صحفية بالشرق الأوسط. الجائزة التي تمثل سلمى فيها جيلاً من صحفيي السودان وتقول عبارة واحدة أن أجمل الأوقات قادمة بفرحها.
بمشاركة الزين عثمان