الصادق الرزيقي

فلنأخذ الحذر ..!


> حكومة دولة الجنوب الجديدة التي تمخضت عن اتفاق سلام لا يقف على قدمين راسختين، وجرت محاصصتها بين ثلاث مجموعات، يجب أن ننظر إليها نحن هنا في السودان بحذر بالغ، بعد أن أعيدت الى دائرة التشغيل والتفعيل مجموعات ظلت معادية للسودان ولم تزل تلعب أدواراً غير حميدة وقذرة للغاية ضده، وهناك خشية من أن تعود جوبا إلى ضلالها القديم، وتحاول اللعب بالنار وتأجيجها بوجود عناصر لا تحمل إلا الضغينة والحقد والعداء لبلدنا، ترتب من أول يوم على فتح ملفات ظننا أنها أُغلقت، وكنا على شبه يقين أن حكومة دولة الجنوب لن تغامر بفتحها مرة أخرى، للحفاظ على حسن علاقاتها مع السودان، وعلى أقل تقدير إنها قد وعت الدرس وانتبهت لمصالح شعبها. > من نافلة القول إن التسوية السياسية التي حدثت في الأوضاع المزرية بدولة الجنوب رغم هشاشتها، تحاول بعض القوى الإقليمية والدولية تحويل مساراتها من تضميد جراحات وتهدئة الظروف الناشبة عن الحرب الداخلية، إلى توحيد الجنوبيين مرة أخرى ضد عدو متوهم واحد هو السودان، فقد سعت دوائر غربية لتسويق مفهوم خاطئ لدى الجنوبيين بأنه لابد من الوقوف في صف مرصوص ضد عدوهم التاريخي وغريمهم الأساسي السودان الموصوف لديهم بـ(المستعمر السابق)، وتتلاقى هذه المفاهيم الخاطئة مع شعور سالب وغير راشد لدى قادة الحركة الشعبية، بأن وجود دولتهم وحركتهم الشعبية في الحكم رهين بإضعاف السودان وإسقاط الحكم القائم فيه والانتقام منه، ولا تنفك عن دعم المجموعات الموالية لها في تحالف الحركات المتمردة بدارفور وما يسمى (الحركة الشعبية قطاع الشمال)، وبقية من يحملون السلاح ضد الخرطوم، حتى تصل بهم جميعاً إلى السلطة ويُعاد ترميم مشروع السودان الجديد. > من الملاحظ أنه بعد مضي أكثر خمس سنوات من انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، لم تتنازل الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا عن اسم (الحركة الشعبية لتحرير السودان) .. ولم تفك ارتباطها حتى اللحظة بقطاع الشمال وقواته في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ولاتزال جوبا تقدم السلاح والإيواء والسند السياسي والعسكري لحركات دارفور المتمردة، أو قُل بقاياها التي تبقت هناك، وهذا يعني أن النوايا لم تتغير والإستراتيجيات والأهداف قائمة، وستتخذ الحركة الشعبية كل سبيل يقود إلى تعقيد الأوضاع من جديد مع السودان بعد أن نالت رضى بعض الجهات الدولية التي عملت على ترتيب وضع الجنوب وإعادة تأهيله للدور المرسوم بدقة. > ومن المحتمل أن يكون السيناريو الأكثر توقعاً، هو إثارة موضع قضية أبيي من جديد، خاصة بعد عودة دينق ألور إلى وزارة الخارجية الجنوبية، وهو من غلاة المتشددين في موضوع أبيي بحكم انتمائه للمنطقة ومن منظري ومنفذي ما يسمى بالاستفتاء الأحادي في سبتمبر 2013م، ووقتها لم تعترف به حكومة سلفا كير، وما نتوقعه في هذا الملف قد حدث بالفعل بأمس الأول، حيث التقى (لوكا بيونق) أحد أبرز قيادات دينكا نقوك، والمتواجد في الولايات المتحدة الأمريكية بعدد أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي وكبار المسؤولين في المعونة الأمريكية، بينهم سوزان رايس، في خطوة متقدمة للغاية لفتح ملف أزمة أبيي من جديد وستعمل الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة الديمقرطيين في آخر أشهر تبقت لها على إتمام مهمتها ببذل كل ما من شأنه تعضيد موقف دينكا نقوك والعمل والضغط لضم هذه المنطقة إلى دولة الجنوب، كما وعد سلفا كير في خطابه لحظة قيام دولته الجديدة بأنه لن ينسى سكان أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ..! > هنالك نُذر معركة سياسية ودبلوماسية وإعلامية قادمة بيننا ودولة الجنوب، تبدأ بقضية أبيي، وستعود مرة أخرى إثارة قضايا ترسيم الحدود ورسوم عبور النفط وغيرها، وتقتضي التطورات المتوقعة الاستعداد المبكر لها على المستويين السياسي والدبلوماسي، وعدم إغفال أية ثغرات أخرى يمكن أن نفاجأ من خلالها، خاصة الجوانب التأمينية والعسكرية. فالحذر واجب، ولن يهدأ بال للحركة الشعبية التي دمرت دولة الجنوب وتماسكها وأهدرت مواردها، إلا أن ترى السودان مثلها جثة هامدة وبقايا رماد وحريق..