الطيب مصطفى

أبيي وخدعة حكومة الجنوب !


أرجو ألا تنطلي علينا خدعة حكومة الجنوب وهي تعلن عن تشكيل حكومة جنوبية لأبيي غداة عودة رياك مشار لجوبا وتعيينه نائبا أول لسلفاكير .
إنها خدعة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار ذلك أن سلفا أراد بهذه الخطوة تثبيت اتفاق قبيلتي الدينكا والنوير ممثلا في عودة العلاقة بين زعيمي القبيلتين في قيادة حكومة دولة الجنوب وحشد الجنوبيين بمختلف قبائلهم خلفه من خلال استدعاء معركة مع عدو خارجي وإعادة حالة العداء التاريخي القديم بين الشمال والجنوب والذي كان يوحد القبائل الجنوبية رغم ما بينها من ضغائن وأحقاد وخلافات كانت مؤجلة إلى أن اشتعلت عقب انفصال الجنوب وخروج العدو الشمالي (المندكورو) الذي بغضه الاستعمار الإنجليزي في نفوس الجنوبيين منذ صدور قانون المناطق المقفولة.
هل تذكرون قرائي الكرام مقولة حكيم الجنوب لادو لوليك التي صدع بها ربما في ستينات القرن الماضي مذكراً بها وناصحاً الجنوبيين بأن يحافظوا على الوحدة مع الشمال لأن الشماليين يعتبرون العاصم لهم من اندلاع الحرب بينهم ممثلا الشماليين بالنشارة التي توضع بين أكواب الزجاج والتي إن أزيحت يحطم الزجاج بعضه بعضاً .! وهكذا ما إن حدث الانفصال حتى اشتعلت الحرب ليس بين العوام إنما بين النخب والقيادات ذلك أن الجنوبيين لا هوية مشتركة تجمع بينهم إنما يدينون بالولاء لقبائلهم .
أرجع لأتساءل : لماذا لم يشكل سلفاكير حكومة أبيي متجاهلاً السودان الذي يصر على تبعيتها له ، إلا بعد عودة الاتفاق بين الخصمين اللدودين سلفا ومشار ؟! ثم سؤال آخر لماذا لم يحدث ذلك إلا بعد أن عين دينق ألور عدو الشمال اللدود وابن أبيي المنتمي لدينكا نوك وزيراً للخارجية في الحكومة الجديدة وأحد الفاعلين في كابينة القيادة ؟!
إنه خلط للأوراق وافتعال معركة مع الشمال قبل أن يجف حبر الاتفاق الذي جمع بين سلفا ومشار يهدف إلى تحقيق الوحدة حول قضية وطنية في مواجهة العدو المشترك وصرف أنظار زعماء وقادة القبيلتين عن صراعهما وحربهما المشتعلة منذ سنتين ونصف .
سلفا كير ، ربما بإيعاز من دينق ألور الذي كان مسلماً اسمه (أحمد الار) قبل أن يرتد ويحمل اسمه الجديد في نهاية دراسته الجامعية بالقاهرة اختار شول دينق ليرأس حكومة أبيي وشول دينق هذا هو ابن أخ زعيم دينكا نوك التاريخي دينق مجوك الذي نزح إلى أبيي من الجنوب وتعايش مع قبيلة المسيرية وتصالح مع زعيمها الأكبر بابو نمر والد الفريق مهدي بابو نمر وكل من مختار والصادق وغيرهم.
العجب العجاب أن شول دينق هذا كان مسلماً ولا أدري ما إذا كان قد ارتد عن الإسلام وقد انضم لاتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997 التي وقعها رياك مشار وحتى عندما رجع رياك مشار لجون قرنق ظل شول دينق في الخرطوم وانضم للمؤتمر الوطني وعين وزير دولة للخارجبة ثم سفيراً للسودان في موسكو وكانت تربطني به علاقة وثيقة وقابلته في موسكو عندما كان سفيراً للسودان وعينت ابنة اخيه في الهيئة القومية للاتصالات بعد اتصاله بي باعتبار أنها مهندسة مسلمة وكنت أمازحه بأن عمه دينق مجوك متزوج من (206) من النساء بينما هو متزوج واحدة فقط فما أعجب تقلب هؤلاء القوم؟!
هل نسيتم د.رياك قاي الذي دخل في التشكيل الوزاري الأخير والذي كان نائباً لرئيس المؤتمر الوطني ثم غادر إلى الجنوب وأعلن من تلفزيون جوبا انضمامه للحركة الشعبية لتحرير السودان وقرر ضم كل ممتلكات المؤتمر الوطني في جنوب السودان إلى الحركة الشعبية؟!
رياك قاي الذي خرج على قرنق مع مشار بموجب اتفاقية الخرطوم للسلام تساءل في قاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات عندما عاد الهالك قرنق إلى الخرطوم عقب توقيع نيفاشا .. تساءل : لمذا تحمل هذه القاعة اسم الزبير وليس قرنق ولماذا يكون الزي القومي السوداني (جلابية) وليس (اللاوو) الجنوبي؟! ما ذكرت ذلك إلا لتأكيد الاختلاف الكبير بين الشعبين (الشحمة والنار) اللذين لا تجمعهما هوية ولا مزاج ولا ثقافة واحدة مما لم يكن له غير علاج واحد هو الذي دعونا إليه وتحقق في نهاية الأمر فالحمد لله رب العالمين.
العجيب أن إبراهيم أحمد عمر أمين عام المؤتمر الوطني في تلك الايام جمعني داخل جهاز الأمن مع نخبة من قيادات المؤتمر الوطني فيهم نافع وعوض الجاز وقوش ورياك قاي ليراجعني حول دعوتي للانفصال وقال لي فيما قال : ماذا نقول لرياك قاي هذا وأنت تطالب بالانفصال؟!
مرت الأيام وعندما خرج رياك قاي من المؤتمر الوطني ورجع إلى الحركة الشعبية وفعل فعلته التي فعل كتبت مذكراً إبراهيم أحمد عمر وكنت قد غادرت (الوطني) بعد أن خيّروني بين البقاء فيه مع التخلي عن دعوتي للانفصال أو الخروج من (الوطني) الذي غادرته غير نادم مقدماً قناعاتي وسألته : أيهما أولى ؟ أن يضحي بي أنا أم برياك قاي؟!
ما كتبت هذه الخواطر خالطاً بينها وبين تشكيل حكومة أبيي إلا لأدلل على استحالة الوحدة بين شعبي الشمال والجنوب وإلا لأنبه أصحاب القرار إلى أهمية تفويت الفرصة على المخادعين الذين يعولون على خلق العدو المشترك حتى يعيد اللحمة بين سلفاكير ومشار وبين الدينكا والنوير وبقية قبائل الجنوب ونحن نسعد بوحدة الجنوب ولكن .!