رأي ومقالات

كان العجوز السائق نبيلا فرد غالب المال وهو يقول بيقين (ما قسمتي)


قال وهو يمسح وجهه قلقا ان مركبة (أمجاد) تقلهم تعطلت وهم يسابقون الوقت للوصل الي الميناء البري ، قالها رماها لي بين عين من رجاء ونظرة حيية ، كانت مركبتهم تسير امامي تعثر حينا وتتعسر مرات فاخذت حذري تحسبا ثم توقفت معطوبة وتوقفت بجوارهم ، دار الحديث منه بتلك الثقة ، هممت بالاعتذار ثم دفعت شيطان التردد قلت ساقلك ، بهت كمن لم يتوقع موافقتي ، وبعجلة مرتبكة اماط شنطة وكيس عريض موشي بالخضرة وسجادة ، كانت كل متاعه مع سيدة اظنها زوجته وطفلة وطفل كانما استعارا وجهيهما من بهاء القمر ، الاضطراب والمباغتة جعلا الرجل ينقد صاحب العربة المستأحرة ماله بغير حساب ، كان العجوز السائق نبيلا فرد غالب المال وهو يقول بيقين (ما قسمتي) رد المال وهو يميط عمامة تلثم بها فكانت قسما من وجهه وكل علي راسه ، قام متأهبا يشد اطراف جلبابه لعراك ربط لاحشاء بعض الاسلاك حيث الاغلاظ ومظنة المشكل ، لاعنا بصوت سمعته عوار (البطارية) ورداة الحظ والصنعة ! تحركت ورفقتي ورب الاسرة يجزل الحمد لله والثناء ، من تنغيم الصوت وبعض انحرافات وميل الاحرف ادركت انهم من الحبشة ، تبسمت سرا ، هم نصيبي في كل حين ومصابي ، احب هؤلاء القوم ، واثق بودهم ، توكلت علي الله نمضي ، انصرف الصغار لثرثرة سودانية المحتوي ، وشغب اسمر العارضة ، الصبي يلامس جهاز لوحي بمهارة ، اطلت صورا لتخريجه من الروضة ، مد سطح اللوح نحوي مشيرا باصبع دقيق التفاصيل مكتز لوجه طفل مألوف وهو يقول هذا حسين السمين صديقي ، قلت كويس ! كانت اجابة حائرة الدلالة ، قطع ربما اضافتي عليها صوت الصغيرة وهي تقول بحبور ، (ماشين لحبوبة) ثم الحقتها (حبوبة في البلد ) ، حاول الاب التدخل خشية ازعاجي وانا اقود ، امسح الاسفلت الفارغ المسافات بالسرعة وبعض الضجيج ، فقلت دعهما ، لا عليك او عليهما ، كانت الام بحوارهما في المقعد الخلفي ، اثيوبية (تلفحت) بثوب رصين الالوان غلب فيه البياض واستطال مع بعض حلي ، لمحتها ترمق الطريق بحسرة وشجن ، تركز علي معالم الدور والشوارع ، حتما هذا شوق المودع ولوعة المفارق ، هاتفها يرن ، اظنها احد الجارات من السودانيات ، يدور حديث بلغة موادعة انوثية متمهلة ، تنعطف الي بعض وصايا بشأن (ختة صندوق) ثم برزاز دمع كنستة صاحبتنا بطرف ثوبها وهي تبتهل بان (رمضان كريم وتسومو وتفترو علي خير ) لتعود مرة اخري للتوهان في الفرجة ، في الوقت ذاته ظل الاب يلتفت للخلف ، يميل كأنه يتمطي يلثم يد الصغيرة ويمسح علي راس الصبي بحنان كالجمر من شدةالدفء ، يكرر الفعلين ، احسست به حزينا فادرك لواعج نفسي فقال سفر صغاري يقصم نفسي، ولو علم محدثي لشدا قائلا (سفري السبب لي عنايا ) ، وسرد لي انه عامل بالشهداء ، ام درمان ، لاكثر من عشرين عاما يقيم هناك ، بذل لي عطاء التقدير لحسن العشرة مع جيرانه السودانيين اشار الي ان الصبي اسمه (عبد العزيز ) يحمل اسم محسن سوداني عرفه وان (شامة) هي الصبية ، اسم سيدة من نواحي بحري رسخت القران في قلب زوجته الحاضرة معنا ، بين كل فينة يسألني الطفل عبد العزيز سؤالا من تلك الاسئلة الطفولية المعبرة وان اتت في قالب من المرح المفضي للضحك ، وارد كيفما اتفق فيضحك هو ، احسست اني جزء من نسيج الاسرة ، اندمجت بين الانس والثرثرة ، فاقمت صلة للرحم والاخاء العاجل ، وصلت واتخذت موقفي الذي قبل ان اكمل تمام صحته كان حشدا من باعة التذاكر ، و عمال حمل الامتعة قد طوقونا ، ذعر الصغيران ، ووالدهما معي نزود عن موكبنا الذي صار مثل موكب رئاسي احاطه الراغبون بالنصرة واحسان الولاء ، بعد جهد وفظاظة ردود تراجع صياد الركاب ، انزلت الامتعة بشق الانفس وعريض الرجاءات والزجر ، الاب يتعلق بعنقي شاكرا ، صافحت الام وانا اتحاشي مطالعة وجه حوي بشرا بهيا ، انحيت علي الصغيريين قبلت الطفلة (شامة) بدت صغيرة قصيرة حتي اني جثوت علي ركبتي ، ردت لي القبلة بحنو تنزل علي نفسي كماء مخلوط بالبرد والثلج ، كانما كانت تغسلني ، ملت علي (عبد العزيز ) ، لسبب ما طوقني بيديه الاثنين ، ضممته نحوي ، انثرعليه ادعية السلامة والصلاح ، انصرفوا عينا منهم تشق زحام الداخلين من بوابات عصية اكتظت بالناس ، وعينا اخري تراجعني ، لوحت (شامة) وهي فوق كتف امها ، لوحت لها وانا اقول صحبتكم السلامة ، واستدرت وغبطة الصباحات تبارك جمعتي

محمد حامد جمعة


‫3 تعليقات

  1. يا السلام عليك

    شكرا على الانسانية الباذخة

    كم انني تناكفت معك على موقع سودانيز اون لاين و لم اكن ادري بأنني اناكف شخصا بهذا القدر من الانسانية.

  2. أثرت شجوني يا ود جمعة

    سافرت كثيرا منذ طفولتي الباكرة في ربوع السودان ….ثم كتب علي أن أغادره وأنا في يفاع شبابي ….وانطلقت أجوب بلاد الله

    الواسعة …وجربت كل أنواع المركوبات من برية وجوية وبحرية ….ولكن تظل واحدة من المتع التي افتقدها السفر في وطني …

    كم يسعدني حين أرمي عصا الترحال وأحط في البلد أن أجد سببا للسفر صوب الشمال أو نحو الشرق

    في الميناء البري تلاحق عيناي البشر وهم في حال وصف مثلها الشاعر العظيم جرير فقال :” ولا ينظر الغادي الذي هو رائح ”

    وأتتبع طرائق الناس وأفعالهم التي هي عادية عندهم ، لكنها تمثل لي بعدا حياتيا ورصيدا يكون زاد غربتي الطويلة .

    ليس ذاك واحده …في البيت يلحون علي أن تخصص لي سيارة لمشاويري فأرفض …لأنهم لا يعلمون أن متعتي في ركوب مركبة

    عامة تتيح لي رؤية الناس عن قرب …وكم يمتعني حين أجد أزمة ما وأدافس مع الناس ، وحين أفوز بمقعد أجلس سعيدا كأنني

    فزت بجائزة حلم مصطفى الأغا

    نعم ..نعم بالفعل حركت كل الكوامن الساكنة وأنا في حال الله وحده عالم بها