تحقيقات وتقارير

الغزل الحكومي في الرجل لم ينقطع الصادق المهدي.. الإمام في مرمى نيران “أبوعيسى”


في حلقة جديدة من مسلسل الحكومة والصادق المهدي، بدأت قيادات بارزة بالحزب الحاكم في بث رسائل مباشرة لرئيس حزب الأمة القومي، الإمام الصادق المهدي، مضمون الرسالة بحسب حديث مساعد رئيس الجمهورية، إبراهيم محمود حامد، الذي جدد مطالبة الحكومة للزعيم الطائفي العريق بالعودة لحضن الوطن، الجملة الأكثر لفتا للانتباه في حديث الرجل الثالث بالدولة تمثلت في قوله وهو يوجه الحديث للمهدي “الناس ديل ما بشبهوك”، والتعبير نحا في اتجاه استعماله للمجاز في إشارة لعلاقة المهدي بالحركات المسلحة وقطاع الشمال والجبهة الثورية وهي الجهات التي ظلت تجاهر على الدوام بعدائها المستحكم لحكومة الوطني، محملة إياه مسؤولية ما وصلته البلاد من أزمات في شتى المجالات، والثابت أن هذه القوى والكيانات وعلى اختلاف برامجها، إلا أنها تتوحد من اجل هدف واحد وهو ذهاب حكومة المؤتمر الوطني، ومغادرتها سُدة الحُكم، غير أن مغازلة المؤتمر الوطني للصادق المهدي تأتي متزامنة مع تصريحات نسبتها بعض الصحف إلى زعيم قوى الإجماع الوطني فاروق أبو عيسى، مفادها أن زمان المهدي في التجمع المعارض قد ولى، وهي تصريحات – أن صحت – سوف يكون لها ما بعدها برأي بعض المراقبين.

مد وجزر
الثابت في شأن علاقة المهدي مع حكومة الوطني أنها علاقة يمكن وصفها بأنها حافلة بالمنعطفات ومليئة بالمد والجزر، فما إن يستقر الطرفان ويتوددان لبعضهما لبعض الوقت حتى تبرز قضية ما، تنسف ذلك الاستقرار وتشعل فتيل المواجهة، ومن المؤكد أن المهدي ظل متقبلا ومنكفئا على الصورة الانطباعية المرسومة عن شخصه كمناهض للوطني وناقد لسياساته على الدوام، بيد أنه لم يتعد مرحلة الحديث لفعل ذي تأثير وهو ما جعله من المكتسبين لرضا حكومة الوطني، ليقينها أن الرجل لا يبارح محطة الحديث حتى وهو في أشرس حالات معارضته للنظام، غير أن موقف الرجل الذي يمكن وصفه بالمتسامح مع النظام الحاكم جلب له وفي غير ما مناسبة سخط جماهير حزبه والشواهد التي تدلل على ذلك مبذولة ومتاحة لمن رغب في الاطلاع عليها، ويصل أمد التقريع بالرجل لمرحلة أن يرى البعض في حكمة المهدي وجنوحه للتغيير السلمي ومطالباته محض خطابات إنشائية لا تقدم ولا تؤخر في قليل أو كثير.

نفي رسمي
منذ خروجه الأخير في هجرته الاعتكافية بقاهرة المعز، لم يتوقف سيل التكهنات بميعاد عودة الصادق المهدي للبلاد، ووصلت التكهنات في خواتيم العام الماضي لمدىً بعيدا حينما رشحت أنباء عن تسلم الحزب الحاكم لمبادرة وساطة بخصوص عودة المهدي بيد أن الوطني سارع لنفي هذا الأمر جملة وتفصيلا وحينها خرج أمين الإعلام بالوطني ياسر يوسف، بتصريح ينسف هذا القول، ياسر يوسف مضى بعيدا وهو يؤكد على موقف حزبه الثابت من اتفاق باريس الذي وقع عليه الصادق المهدي، وقال: “لم نتسلم أي وثيقة في شأن عودة المهدي للبلاد، وأردف: ما زلنا عند موقفنا من أنه كان يمكن طرح القضايا التي تضمنها اتفاق باريس بالداخل، ملخص حديث مسؤول الإعلام يذهب في اتجاه عدم تسلم حزبه لأي وساطة بهذا الخصوص، ورغم تعاقب الأيام ما يزال موقف الحكومة الرسمي يراوح مكانه الرافض لخطوة المهدي وهو يوقع في أغسطس الماضي مع الجبهة الثورية على اتفاق إعلان باريس الذي التزمت الجبهة الثورية بموجبه بوقف العدائيات لمدة شهرين في جميع مناطق العمليات لمعالجة الأزمة الإنسانية وبدء إجراءات صحيحة للحوار والعملية الدستورية، إلا أن الحكومة السودانية رفضت الاعتراف بالاتفاق وطالبت المهدي بالتبرؤ منه.

تشابك أطراف
في مقابل الحديث الذي وجهه مساعد رئيس الجمهورية للمهدي، بفض علاقته بحركات دارفور المسلحة ووصفها بأنها “لا تشبهه” برز حديث آخر وإن ذهب في اتجاه غير الذي يقصده سابقه وهو حديث رئيس قوى الاجماع الوطني فاروق أبو عيسى وهو يحذر الحركات من الوثوق في شخص المهدي، أبو عيسى والمهدي تقابلا في اجتماع مع مجموعة من أبناء دارفور المقيمين بالخارج وفيه خرج الرجل بنصح للمجموعة مؤكدا لهم أن المهدي ليس برجل المرحلة وحذرهم من المهدي سيصل الخرطوم قريبا على ظهور الحركات، واللافت في الأمر أن المهدي أشار إلى أن الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي يسعى لفرض عقوبات على قادة المعارضة خلال الجلسة المقبلة لمجلس السلم الأفريقي كاشفا عن تقديمه لطلب لمقابلة أمبيكي للتباحث معه، بيد أن الأخير وطبقا لرواية المهدي رفض الأطر وطالبه برد مكتوب على وثيقة “خارطة الطريق”.

عودة غير معلومة
عودة المهدي للبلاد وعلى حسب الرجل نفسه باتت وشيكة رعد قوله بإنجازه لكافة المهام التي خرج من أجلها، بل إن المهدي ذهب لأبعد من ذلك وهو يكرر في غير مرة بعدم خشيته من أي سيناريو يواجه عودته في تلميح لمسألة اعتقاله على سبيل المثال لا سيما وإن علاقته مع حركات دارفور جلبت له قدرا وفيرا من التبرم وعدم الرضا وليس آخره حديث مساعد الرئيس الذي أعلنه صراحة، إلا أن عضو المكتب القيادي بحزب الأمة القومي الصديق الصادق قطع بعدم تحديد موعد أكيد لعودة رئيس الحزب حتى الآن، مؤكدا أن مسألة عودة المهدي تخضع لرأي وتقديرات مؤسسات الحزب القائمة، وقال في حديثه لـ(لصيحة) عدم رضا المؤتمر الوطني عن علاقة الحزب بحركات دارفور، أمر يخصه لاعتبارات لا علاقة للحزب بها، مشيرا إلى أن للحزب شأنه شأن بقية الأحزاب ومنها الوطني نفسه ينفتح على كافة القوى السياسية الناشطة في الساحة ومنها بطبيعة الحال حركات دارفور، لافتا إلى أن الحزب يوظف هذه العلاقات بما يخدم مصلحة البلاد قبل كل شئ ، خاتما حديثه بأن ذلك الأمر ليس فيه ما يضير أحدا.

أسباب الخروج
بعيد خروجه من البلاد حدد الإمام ستة شروط للدخول مع الحكومة في حوار جاد من أجل الخروج بالبلاد من أزماتها المتعددة، وأوضح المهدي أن المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير تتطلب مستحقات عديدة أبرزها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكفالة الحريات والموافقة على دخول وانسياب المعونات الإنسانية وإعلان وقف إطلاق النار أو هدنة للحوار وتأكيد الاستعداد من جانبه لحوار مبرأ من عيوب الماضي بنظرة شاملة لا ثنائية، وأضاف أن الاستحقاق الثاني هو أن تجدد الثقة في الآلية الأفريقية الرفيعة برئاسة السيد أمبيكي وأن تدعم بمشاركة أوسع وأن تعطي صلاحيات إضافية للحكم على سلوك أطراف النزاع، وقال إن المشاركة في الحوار تتطلب تحديد مبادئ الحوار بالنص على هدفي السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وأشار المهدي إلى أن الاستحقاق الخامس من أجل الحوار هو الوعد للسودانيين أنه في حالة الاتفاق على ما يحقق السلام العادل الشامل والحكومة الديمقراطية أن تنعم البلاد بإعفاء الدين الخارجي وبرفع العقوبات الاقتصادية وباستئناف التعاون الاقتصادي المجمد حالياً، وقال إن هذه الاستحقاقات يتبناها مجلس السلم والأمن الأفريقي وترفع لمجلس الأمن الدولي.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة