مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : «المُفاصَلة»..نسخة تركية..!


الخلاف المُتفجِّر بين رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو ، ورئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان ، يذكرنا بخلاف سوداني داخلي ، كانت محصّلته ما يسمى بالمفاصلة، والتي هي أعقد أزمات الاسلامويين على الاطلاق.. وكذلك ، يذكرنا خلاف أوغلو واردوقان، بخلاف الصادق المهدي ، مع عمّه الإمام الهادي ، وبالخلافات التي تتفلّت أخبارها، من سياجات الحزب الشيوعي ،وتلك التي عبّرت عن نفسها بين أجنحة البعثيين…إلخ ..!
للصراع قوانينه، فهو يجري وفق سنن تاريخية لا تستثني شعباً أو طائفة دون أخرى، فما بالك بالإسلاميين، إذا ما كانوا أتراكاً، أو مَتورَكين..! مثلما تفجّر الخلاف بين أخوان الخرطوم، يندلع الآن بين قيادات الاخوان في تركيا..هذا الصراع ــ هنا وهناك ــ يؤكد حقيقة هامة ، هي أن مؤسسة الدولة ، باعتبارها كيان مادي محايد، لابد أن تضيق ذرعاً بالرعاية الحزبية أو الروحية ، التي تفرضها شخصية رئيس الحزب، كما هو الحال عند أوغلو في تركيا، وكما كان عليه الحال في شخصية المرحوم الترابي.. و لأن مثل تلك الرعاية ، أصبحت من عقابيل الماضي، فقد كان حسم أمرها حتمياً، لتكون ضمن حكاوي الزمان وأخباره..من يقبض على السلطة ، يُدرِك أنه قد حمّل نفسه المسئولية ، فلا معني لأن يكون قراره بالاشارة..من يضطلع بمهام الحكم عليه أن “يأكل نارو”..عليه أن “ يُحاصر حصاره ، وإلّا..”..! بعد عشرية الانقاذ الاولى، وصل الصراع مداه ، بين الأخوان الخرطوميين، واستقر الأمر للرئيس البشير، الذي تمكّن بجدارة من شطب السلطة الروحية، الممثلة في شخصية الشيخ.. ومن عجب، فإن الاحزاب الشيوعية نفسها ،كانت تعتنق مثل هذا المعتقد ، دون اعتراف بذيوله الروحية.. فقد كانت قيادات الاتحاد السوفيتي مثلاً ، تلجأ إلى فتاوى العُصبة الفكرية داخل الحزب، وكانت لتلك العُصبة رأس رُمح، في كل حينٍ رئاسي.. ووفق كل حين، كانت العُصبة تقدِّم التبريرات الايدلوجية،، وهكذا جرت المقادير، حتى تبدد سلطان روسيا الحمراء..عندما اندلع الخلاف على السلطة ــ أي من أجل الدنيا ــ بين الاسلامويين ، وأفرز كياني الوطني والشعبي، عندما اندلع الصراع ، كانت غالبية القيادات الأخوانية، تميل إلى صف الشيخ ، لكن صعُب عليها الصبر،، صعُب عليها “العهد” بعيداً عن النعيم، لأن العضوية المُباركة، لم تمتهن السياسة من أجل المُثاقفة و لا من أجل المحجّة البيضاء، وإنما من أجل أن تحكُم..!
انقسمت الحركة الاسلامية إذن..و بعد مجاهدات شاقّة ثبت للشعبيين، صعوبة العيش بعيداً عن ثدي الدولة، فعادوا زرافات ووحدانا، حتى اضطر الشيخ نفسه الى العودة، لكن بعد أيه..؟ النموذجان السوداني التركي في الصراع ، بينهما رابط الخلفية الاسلاموية، ما يعني أن أمراء التنظيم هم كذلك ، في كل عصر وحين..عندما تعود لقراءة التبريرات التي يسوقها كل طرف ، تجد صوراً مشابهة لما حدث بين رأسي الدولة الانقاذية السودانية، وما يحدث الآن في تركيا،، بيد أن طرفي الخلاف السوداني كانوا يبررون صراعهم “تمسكاً بالدستور، وبحق الانتخاب الحر المباشر للولاة”، مع أنهم أساساً ضد هذه المفهوميات..وفي الحالة التركية، يتفجر الخلاف أوغلو واردوقان، حول قيادة الحزب والدولة، وحول الصلاحيات داخل الحزب.. احداثاً ووقائعاً متشابهة وقعت ، و تقع، كلما ظهر التنظيم الدولي، في أي ناحية من النواحي..فالثورة الفلسطينية، تعيش انتكاستها، مع ظهور حركة حماس التي انفصلت بقطاع غزّة وأقامت فيه حكم التمكين..و نفس الفكرة، أخذ بها اخوان الشرعية في عهد محمد مرسي، عندما اختاروا سلفياً لوزارة السياحة المصرية ، أسوة بالشيخ محمد، إبن الشيخ أبو زيد..! ..و، هات يا زمن ..!