منى ابوزيد

دعوة للبيع ..!


“الدبلوماسية هي فن تقييد القوة” .. هنري كسينجر ..!
السفير الأمريكي الأسبق بالخرطوم “نورمان أندرسون” قدم في مذكراته (السودان في أزمة) صورة لعلاقة بلاده بالخرطوم – في عهده – كما كان يراها من داخل الإطار، معرباً عن خيبة أمله الكبيرة – وقتها – في الشعب السوداني الذي لم ينهض للإطاحة بحكومة بلاده ..!
واتهم الإعلام الأمريكي بغض الطرف – مع سبق الإصرار -عن دور حركة التمرد في إعاقة جهود الإغاثة.. متهماً– في الوقت نفسه – حكومةالخرطوم بالخضوع لابتزاز الجيش والتغاضي عن ما كان يحدث في الجنوب ..!
وفي نهاية الأمر لم تخرج صراحة مذكراته على قاعدة أصولية في العلاقات الدولية – بات العالم يحفظها عن ظهر قلب – مفادها أن ترحيب الولايات المتحدة الأمريكية بحلول الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك أمر مرهون بمدى ولاء حكومته للسياسات والمصالح الأمريكية في المنطقة أولاً ثم الالتفات بعد ذلك إلى مصالح شعبه ..!
مذكرات أندرسون وإن كانت لا ترتقي إلى مرتبة الشهادة التاريخية المعتمدة، إلا أنها – كدأب مذكرات سفراء الناس في بلاد الناس – تلقي بعض الضوء على المزاج العام لعلاقة السفارات بالحكومات والشعوب، وإسهامهاالمتفاوت في توجيه دفة العلاقات الأم ..!
أما نظيره البريطاني نيكولاس كاي فقد كتب – قبل فترة – في مدونته على شبكة الإنترنت الملاحظة اللطيفة التالية (أدهشني كبر حجم الأعراس السودانية، والتي يضم بعضها الكثير من المدعوين، مثل الزفاف الملكي نفسه، إن لم يكن أكثر!)،كان ذلك بمناسبة زواج ولي العهد البريطاني الأمير ويليام الذي لم يتحرج السيد السفير من تناول أدق تفاصيله قائلاً(كانت هناك تكهنات لا نهاية لها في المملكة المتحدة والصحافة الدولية عن تفاصيل حفل الزفاف، التي تشمل كل شيء من فستان الأنسة ميدلتون إلى الموسيقى التي سيتم تشغيلها في كنيسة وستمنستر) ..!
قبل أن يساهم من جانبه في الترويج للسياحة في بلاده، عبر شعبية الحدث الاجتماعي الكبير(مزيداً من التفاصيل حول الزفاف متوفرة على الموقع الرسمي هنا)، وهكذا يضغط الزائر على كلمة (هنا) الزرقاء، الكثيفة، فيدخل الموقع الرسمي للزواج الملكي عبر بوابة السيد السفير..!
أما مواطنه وسفير بلاده في أمريكا فقد قال – يوماً – في معرض تعليقه على ترويج سفارة بلاده لذات الزواج كحدث سياحي(إن دوري الأول كسفير هو أن أبيع بلادي)! .. لا عجب إذن في أن أكثر من سبعين مليون سائح يزورون بلادهما كل عام ..!
سعادة السادة سفراء السودان في بلاد العالم: ما أكثر العلاقات التي أثبت اتجاه دفتها أنكم لا تملكون البوصلة .. أفلتوا الدفة رجاء .. ثم، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ..أين أنتم من بيع بلادكم على طريقة هؤلاء وأولئك؟! ..بيعوا واشتروا فينا يرحمكم الله .. هذه دعوة للبيع ..!