لبنى عثمان

على جدار الجرح


أصعب مافي الدنيا الفراق.. وأصعب مافي الفراق الذكرى.. والناس في حياتنا كاﻷضواء.. ضوء باهر يغطي مساحة كبيرة.. وضوء خافت.. وكلما زادت مساحة الحب كبرت مساحة الضوء.. وفي الغالب الأعم.. فإن أكبر ضوءين في حياة الإنسان هما.. والداه.. ولا يأتي في مقامهما إلا من نافسهما في الحب.. والحب في معناه الكبير.. الحنان.. والعطاء.. والإيثار.. والتضحية.. ولا يملك هذه المزايا إلا ذو قلب كبير.. الحب هو القلب الكبير.. والقلب الذي يعطي بلا مقابل.. هو الذي يعيش حاملا هموم الآخرين.. من دون أن يشكو لهم همه أو ينتظرهم يحملون الهم معه.. القلب الكبير هو القلب الذي ينبض في صدور الآخرين.. هو الذي نذر حياته وما يملك للآخرين.. هو النور الذي يزيل أو يخفف العتمة في حياة الآخرين.. هو الأمل.. وهو الحلم وهو السعي إلى ما هو أفضل وأجمل في هذه الحياة.. القلب الكبير هو الذي يزرع في الدنيا ليحصد في الآخرة.
** وجهي معلق بين الناس.. أبحث عنك.. تنخفض الأنوار وتبكي كل الأشياء مرتبكة.. تسترخي عيناي الشاحبتان من التعب.. إحساس بالوحدة.. كغصن قطعت عنه سبل الحياة.. فيحاول ألا يموت من أجل ضوء عينيك.. وأتذمر من عطشي حتى اللهفة.. ونوافذي مفتوحة.. وتتناثر روحي على أرض مبللة بالدموع.. وصمتك يوجعني حتى عروقي.. رجوتك.. أعد لي قلبي المفروش بالبياض.. وخذني خارج ضيق صدري.
أخبرني أين أرسم علامات استفهامي.. والكل في حالة ذهول.. الكل في حالة صمت وسكون.. لكنه سكون وليد لصدمة.. يشبه صمت الموت تماما.
أيعقل..؟
أن يكون الموت.. ولماذا.؟
لماذا حكايتي يتيمة تتجول في خاطري كالغرباء.. وقلبي يئن في الشرفات كالمطعون..؟
والسيف نكس سنه وأجهش في البكاء..
أخبرني يا سيدي.
أين أذهب.. وأين ذهب الأمان.. ما الذي حدث في المدينة هذا المساء. ؟!!
الحلم الضائع في متاهات الحماقة.. يشردك الظن الآثم.. فقد تبكيك الوجوه المكلومة وتحتفظ الليالي في المساء بما تبقى من طهرك المحدود.
لا تعرف كيف تطوق الذكرى.. ولا تدري لماذا لا نفهم السؤال.؟
ولا ندرك أوجاع وارتحال ذاتنا في مساءات الدروب.
هناك يقبع الوهم في وحل الأوردة النازفة.. يخشى المنافي الثائرة.. لا غيث يستكين في جوف الريح.. فما لديك.. وما عندك حتى تدفع به طوفان عتمة النهايات الموجعة.. لن تقاوم الموت المتناثر في أوردة الدم.. إذا لم توقف القلب المتشرد المكلوم وجعا.. ولتسأل مقلتي المنكسرة: كيف ضاعت منها ملامح التحديق.. وكيف ارتضيت أن تضع أنت نهايات التحليق نحو بر الأمان؟
** حقيقة.. ليس بالضرورة أن تلفظ أنفاسك وتغمض عينيك.. أو يتوقف قلبك عن النبض.. ويتوقف جسدك عن الحركة.. كي يقال عنك إنك فارقت الحياة. فالبعض يموت بلا موت.. والبعض الآخر يعيش بلا حياة ..
** تظلمونني إذ تنصبونني في مرتبة الظن السيء.. وتجعلونني سفيرة للخيبة والخذلان في كل الأزمنة.. وفي خارطة العواطف.. وفوق حدود التصور.. وذلك يعني أن أتحمل عبء الدفاع عن حرية مشاعري وحرية أفكاري البريئة.. ويعني أيضا تقييدي بسلاسل تلك الحرية ..
تظلمونني إذ سميتم الظن باسمي.. فتهجتني حروفه ألما.. أسألكم بكل أمانة: ألم تروا الصدق مجسما في شكلي.. والحب لونا ممزوجا بألواني.. وكتاباتي وحي من إيماني بيوم تتضح فيه الإنسانية.. عن قضية ظلم وبهتان.. أضحى جسدي فيها بلا قلب وبلا عواطف.. وأنا أبادر بانتحال شخصية المفكر والمحلل والمؤرخ والمترجم لكل أحداث الطغيان والقمع لذاتي المنهكة حد الإرهاق ..
** بعد ما كنا.. ننسى الوداع.. ونعيش دوما في اشتياق.. ونهمس لقلبينا في ليالي السهر برفقة العمر.. أعذب لحن تغنى بأجمل وتر.
كتبناه بعروقنا.. وتعاهدنا على الوفاء.. على النقاء.. على الصدق.. على الصفاء ..
لماذا إذن الهجران.. ولماذا النفوس باتت ممتلئة بالظن والخسران.. لماذا حرمنا أنفسنا.. متعة الوداع من غير وداع وتحنان.. والعيش بذكرى يغمرها الحب. .ويدثرها الأمان ..
** أنّة الجرح **
ثلاثة افتقدتهم بعدك يا أبي..
الفرح.. الصحة.. والإحساس بالأمان.!!