تحقيقات وتقارير

زارعو الكلى: معاناة المرض والعلاج .. الاختصاصيون نصحوا بعدم استخدام الدواء البديل والوزارة تصر عليه


زارعو الكلى: معاناة المرض والعلاج .. الحلقة الأولى

* الاختصاصيون نصحوا بعدم استخدام الدواء البديل والوزارة تصر عليه
* المستهلك تتهم المجلس القومي للأدوية والسموم بمجاملة مافيا الدواء
* دراسة تثبت أن الأدوية البديلة لزراعي الكلى غير آمنة
* وزارة الصحة: نوفر البديل لعدم وجود ميزانية كافية للأصلي

شكت مجموعة من مرضى الفشل الكلوي الذين أجريت لهم زراعة كلى من عدم التزام وزارة الصحة والإمدادات الطبية بتوفير علاج يتم وصفه للمرضى حتى تقبل أجسامهم الكلية المزروعة، وتوفر وزارة الصحة عبر أجهزتها المختصة في شأن الدواء مجاناً، لكنها جلبت الدواء البديل لجهة أنه أقل سعراً من الدواء الأصلي، وذكر مجموعة من المرضى الذين تحدثوا لـ”الجريدة” أن الاختصاصيين نصحوهم بعدم تناول الدواء البديل لعدم نجاعته ومأمونيته، وذكر المرضى أن فرق السعر بين الدواء البديل والأصلي وقتها لا يتجاوز الجنيهين, وظلت الوزارة توفر الدواء البديل منذ بداية الألفية الثالثة وحتى اليوم، واتهمت جمعية زارعي الكلى اختصاصيي الكلى “ببلع ذمتهم”، عندما اجتمع بهم وزير الصحة وقتها لمعرفة نجاعة الدواء من عدمها لتبديل الاختصاصيين شهادتهم داخل الاجتماع, وفي ذات السياق ظهرت دراسة حديثة أثبتت عدم مأمونية الدواء البديل الأمر الذي اعتبره المرضى فساداً وأن وزارة الصحة كانت تهدف لخدمة وكيل الشركة الذي قام باستيراد الدواء البديل بسعر خرافي لمصلحته ولم تبالي الوزارة بصحة المرضى, واستند المرضى على تقرير صادر من الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم وقتها عادل خلف الله أفاد فيه أن الدواء غير آمن, وكشفت الجمعية السودانية للمستهلك أن 60% من الأدوية المسجلة بالسودان لم تقدم لها شهادات التكافؤ الحيوي, في الوقت الذي عزا فيه وزير الصحة بالدولة توفير الدواء البديل لعدم وجود ميزانية كافية لشراء الدواء الأصلي.
واتهمت الجمعية وزارة الصحة بيع الدواء بأسعار تفوق الأسعار العالمية بنسبة “50%”، الأمر الذي أدى الى طرح العديد من الأسئلة.
“الجريدة” استمعت لكل أطراف القضية في تحقيق من حلقتين، فالى ما جاء في الحلقة الأولى:

شكوى المرضى:
في مركز د. سلمى لأمراض وجراحة الكلى التقت “الجريدة” بالمريض عبدالله الخليفة أثناء عملية الاستصفاء الدموي، الذي أفاد بأنه أجرى عملية زراعة الكلى في العام 2005، وذكر أن هناك دواء يتم وصفه لكل المرضى الذين يقومون بعملية زراعة الكلى للمحافظة على الكلية المزروعة، وقال إن الدولة توفره للمرضى مجاناً وفقاً لالتزام رئيس الجمهورية بذلك، وقال “لكن للأسف إن المسؤولين من الصحة كانوا يجلبون لنا الدواء البديل، الذي نصحنا الاختصاصيون وقتها بعدم تناوله”، وأضاف “حتى يستمع لنا المسؤولون ذهبنا لعبد الباسط سبدرات لعلاقته بالنائب الأول وقتها علي عثمان طه، الذي طلب من الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم وقتها د. جمال خلف الله كتابة تقرير وإفادة حول الدواء لمعرفة فاعليته من عدمها، وذكر أن خلف الله كتب تقريرين في الأول ذكر أنه آمن وكتب في التقرير الثاني أنه غير آمن وله مضاعفات، لكن الأمين العام عندما طلب منه وزير الدولة بالصحة التقرير أرسل له التقرير الأول والذي أفاد أن الدواء آمن، بالرغم من وجود دراسات وقتها أثبتت عدم فعاليته الا أن الصحة ما زالت تجلبه للمرضى بالرغم من علمها بعدم مأمونيته.

مريضة تصرف كل ما تملك
وشكت المريضة بالفشل الكلوي إلطاف، التي أجريت لها عملية زراعة كلى في العام 2000، بتبرع من شقيقتها، وأوضحت إلطاف أن العملية كلفتها مبالغ طائلة، وذكرت أنها عقب عودتها كانت تتناول أدوية بهدف أن يقبل جسمها الكلية المزروعة، وكان الدواء الذي تستخدمه يتم الحصول عليه من الإمدادات الطبية ولم يكن الدواء الأصلي إذ كانت الإمدادات توفر لهم البديل، الأمر الذي أدى الى حدوث مضاعفات وإصابة بالاستفراغ ونصحتها الطبيبة المعالجة وقتها بإيقافه لجهة أن له آثار سالبة ويؤثر على الكبد, وقالت “الأمر الذي جعلني أعمل على شراء الدواء الأصلي بمبلغ مليون جنيه حفاظاً على صحتي ولجهة أنني صرفت كل ما أملك في عملية الزراعة وقمت ببيع منزلي وذهبي”، وأشارت الى أنها أصبحت معدمة، لكن بالرغم من ذلك شهرياً تحتاج لمبلغ مليون جنيه, وأكدت أنها خاطبت الإسكان بتوفير سكن شعبي وحالياً تم إنذارها بنزع المنزل، وخاطبت المسؤولين بالنظر اليها بعين الإنسانية.

في العام 2011 رفضت مجموعة من أعضاء جمعية زراعي الكلى السودانية، تناول المرضى للدواء الهندي البديل للدواء السويسري بحجة أنهم دفعوا مبالغ طائلة جراء عملية الزراعة وأنهم لا يمكن أن يخاطروا بحياتهم جراء تناولهم دواء بديلاً.
وقالت عضوية المجموعة- الذين هم مرضى فشل كلوي- إن الأطباء الاختصاصيين الذين يتابعون معهم العلاج نصحوهم بعدم تناوله, وقال عضو جمعية زراعي الكلى السودانية – فضل حجب اسمه- إنهم مرضى عاديين ولا خبرة لهم بعلم الطب والتطبيب، لكنهم بحكم المرض يترددون بصورة دورية على الأطباء الاختصاصيين في مجال أمراض الكلى ونصحهم هؤلاء الأطباء المعالجون بعدم تناول أي دواء خلاف الدواء الأصلي المعروف باسم “سلسبت”.

الاجتماع:
وذكر عضو الجمعية أن الأطباء أكدوا لهم عدم فائدة الدواء للمرضى، وقال “ما كان من المرضى الا التوجه الى الجهات المسؤولة من الصحة وإخطارها أن الأطباء المعالجين طلبوا منهم عدم استخدام الدواء لأسباب لخصوها في عدم النجاعة والمأمونية, وأضاف “في ذلك الوقت كان البروفسير حسن أبو عائشة وزيراً للدولة بالصحة ورئيس المجلس القومي للأدوية والسموم”, وأشار عضو الجمعية الى أن وكيل الشركة المستوردة للدواء الهندي عندما أحس بحركة رفض المرضى للدواء نتاج نصح الأطباء لهم بعدم تناوله، دعا وكيل الشركة المستوردة للدواء مجموعة من المسؤولين وقتها الى زيارة الى بلد منشأ الدواء البديل، وهي الهند، برفقة استشاري الكلى ومراكز جراحة الكلى، وقال “كل هذه الجهات قامت برحلة الى الهند وكان لها ما بعدها؟”.

مذكرة للنائب الأول:
وأعلنت جمعية زراعي الكلى وقتها عن رفضها ذلك الدواء البديل نتيجة لنصائح الأطباء للمرضى بعدم تناوله, وقال عضو الجمعية “لأهمية الأمر وحساسيته وتأثيراته على المرضى قمنا برفع مذكرة للنائب الأول لرئيس الجمهورية وقتها علي عثمان محمد، الذي خاطب بدوره رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم بروفسير حسن أبو عائشة عبر الوزير الأول بمجلس الوزراء كمال عبد اللطيف وتم تحويل الخطاب لرئيس المجلس القومي للأدوية والسموم انذاك دكتور جمال خلف الله, وقال “وقتها طرحت رئاسة الجمهورية على الجهات المسؤولة من الشأن الدوائي سؤالاً مباشراً، هل الدواء ناجع أم لا؟”.
وأشار عضو الجمعية الى إعلان عن اجتماع كبير ضم أعضاء المجلس الاستشاري لأمراض وجراحة الكلى وممثلين لجمعية زراعي الكلى بحضور الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم د. جمال خلف الله وكان الاجتماع برئاسة رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم بروفيسر حسن أبو عائشة.

صدمة الاجتماع:
وقال عضو الجمعية إن الاجتماع كان صادماً للمرضى الزراعين لجهة أن الاستشاريين الموجودين بالاجتماع وقتها أكدوا أن الدواء الهندي البديل مثل الدواء السويسري من حيث الكفاءة والنجاعة، وأضاف “كاد الاجتماع يصل لهذه الخلاصة لو لا طلب تقدم به أحد أعضاء جمعية زارعي الكلى الموجودين بالاجتماع والممثلين للمرضى للوزير بإعطائه فرصة، قال للوزير “نحن رفضنا استخدام الدواء الهندي البديل لجهة أن الاستشاريين موجودين الآن بالاجتماع نصحونا بعدم استخدام الدواء الهندي أو أي دواء بديل، وهم معنا في الاجتماع بلعوا ذمتهم ولكننا لا ندري سبب لذلك”، وأشار الى أن أعضاء المكتب التنفيذي للجمعية وقتها رفضوا استخدام الدواء الهندي البديل”، وقال “طالبنا وقتها الإمدادات الطبية المسؤولة عن توفير الدواء بتوفير الدواء السويسري الأصلي، ونحن كأصحاب مصلحة ونعاني من المرض على استعداد لتحمل فرق السعر بين الدواء السويسري الأصلي والدواء الهندي البديل” وأضاف قائلاً “المفارقة العجيبة أن الفرق بين الدوائين لا يتجاوز الجنيهين”.

وقال عضو الجمعية “رحم الله عمر وعبد الحميد حاج الحسن وأطال الله عمر عادل بابكر وبقية أعضاء المكتب التنفيذي لجمعية زراعي الكلى”, وأشار الى أن المهم في الأمر إصدار خطاب لرئاسة الجمهورية بأن الدواء الهندي لا غبار عليه, رداً على خطابها الخاص بمعرفة فعالية الدواء من عدمها, وذكر أنه تم صرف الدواء للمرضى منذ ذلك الوقت وحتى الآن يتم التعامل مع الدواء بصرفه للمرضى، حتى الذين يقومون يإجراء عملية الغسيل بالمنزل الكمية التي تكفيهم لمدة شهر لعملية الغسيل.

السعر الخرافي:
وكشف الأمين العام لجمعية حماية المستهلك دكتور ياسر ميرغني أن السعر العالمي لتكلفة مواد غسيل الكلى تصل الى “4,8” يورو إلا أنها في السودان تأتي عبر الإمدادات الطبية بسعر “8,4” يورو، بالرغم من أن الغسيل مجاني وتقوم بدفع قيمته الحكومة.
وقال ميرغني إن الجمعية السودانية لحماية المستهلك سبق وأن تحدثت عن الدواء الهندي وعن سلبياته ولم يتم تقديم دراسة التكافؤ الحيوي له وأن تسجيله تم بمخالفة للضوابط، وقال إن الدواء المسجل يجب أن يستخدم في بلد المنشأ لمدة ثلاثة أعوام قبل تسجيله وهو الأمر الذي لم يحدث.
وطالب ميرغني المجلس بالتشديد على إبراز شهادة التكافؤ الحيوي قبل التسجيل، وقال “ظل المجلس يعمل على تأجيل شرط التكافؤ الحيوي لمافيا الأدوية لمدة وصلت الى تسعة أعوام منذ العام 2007, كما أن أصحاب الشركات المستوردة للأدوية يذكرون أنهم لم يستطيعوا إجراء التكافؤ الحيوي لجهة أنه مكلف إذ يصل في حده الأدنى الى 5 آلاف يورو على أقل تقدير.

وتفيد دراسة حديثة تحصلت “الجريدة” على نسخة منها نشرت في شهر يونيو من العام 2015 في المجلة الطبية البريطانية المعروفة اختصاراً باسم “SMJ”
وتأتي أهمية الدراسة من كونها قامت بمراجعة مدى فعالية الأدوية الجنيسة “غير أصلية” التي تستعمل لتنشيط المناعة لدى المرضى الذين أجريت لهم زراعة الأعضاء وتحديداً ركزت الدراسة على زارعي الكلى ومدى نجاعة الأدوية الأصلية.

وأوضحت دراسة علمية دقيقة أجريت في كندا أكدت أن أدوية الكلى المقلدة أو الرديفة لا تكافئ الأدوية الأصلية، وأجريت الدراسة على “1679” عينة.
وأثبتت الدراسة أن الأدوية المقلدة لا توازي الأدوية الأصلية من حيث النجاعة والفاعلية وهي بالتالي ليست آمنة للاستخدام.
وخلص الباحثون الى (50) دراسة لمطابقة للمعايير الموضوعة للدوارء الأصلي والأدوية الجنيسة، منها (17) دراسة عبارة عن تجارب عشوائية ,(15 ) دراسة تدخلات غير عشوائية و18 دراسة من خلال الملاحظة وتمت مقارنة الأدوية (الجنيسة) غير الأصلية أجريت مقارنتها بعقار نيورال وهو الدواء الأصلي واسمه العلمي “سايكلو سبورين” وعقار البروقراف الأصلي واسمه العلمي تاكرول وعدد الدراسات التي أجريت لمقارنته مع هذا الصنف الأصلي (12) دراسة، أما الصنف الأخير والذي روجت الدراسات المنشورة عنه فهو السيلسبت واسمه العلمي “مايكوفينو ليت موفيتل” وعدد الداسات التي أجريت فيه كانت (6) دراسات.

والتجارب العشوائية المحكمة في المرضى الذين أجريت لهم زراعة كلى، أثبتت أن الأدوية الجنيسة غير متكافئة بيولوجياً مع الأدوية الأصيلة وفقاً لمعايير الوكالة الأوروبية للأدوية. والدراسة الخاصة بالميكوفينوليت موتيفيل وجدته أيضاً غير متكافئ حيوياً مع الدواء الأصلي والمعروف تجارياً بالسيلسيبت. أظهرت الدراسات أن الرفض السريع للعضو المزروع نادر الحدوث ولكن لم تجد الدراسات أي اختلاف بين هذه المجموعات الثلاث للأدوية. فيما يخص النيورال، “كانت نسبة الأرجحية بيتو 1.23 فاصل الثقة 95٪ 0،64-2،36” وفي حالة الدراسات العشوائية التي أجريت لزارعي الكلى و0.66 “0،40-1،08” لدراسات الملاحظة. في كل الدراسات الرصدية، كانت احتمالات بيتو المجمعة بنسبة 0.98 “0،37-2،60″ لـ”Prograf” و0.49 “0،09-2،56” للسيلسيبت. لم تجرَ تحليلات الفوقية للنيورال بسبب نقص البيانات. لا توجد بيانات كافية أو تقارير عن المريض أو بقاء العضو المزروع. تجميع النتائج كان محدوداً لتعارض الدراسات واختلاف طرق إجرائها والإبلاغ عن مخرجاتها. لم تبلغ العديد من الدراسات المعايير القياسية المستخدمة في تحديد التكافؤ الحيوي. في حين أن معدلات الرفض السريع للعضو المزروع بدت متشابهة في جميع الأدوية الجنيسة وكان الرفض السريع نادراً نسبياً، تم تصميم عدد قليل من الدراسات لمقارنة النتائج السريرية بشكل صحيح. في معظم الدراسات كانت فترات المتابعة للمرضى قصيرة وشملت مرضى حالاتهم كانت مستقرة ولم ترصد لهم أي حالات رفض لأعضاء زرعت لهم.

تحقيق: لبنى عبدالله
صحيفة الجريدة