مقالات متنوعة

عبد الله الشيخ : (أطلّع مِنّها) يا مَولانا


لم يعد تقبيل اللحي والأيادي وارداً..صعود الأشخاص بصبغة القداسة انتهى .. لم يعد هنالك مجال للأفكار المعطونة في التخوين والانزواء، والأحبار السرية.. لا حركات بهلوانية في مسار المستقبل.. كن مثل (شيخ اللمين)، الذي وصل إلى العالم الحُر،، وصل إلى هولندا، وعاد إلى طبيعته البشرية، وخلع عن نفسه كل(البردلوبات)، وهو الآن- بسم الله ماشاء الله- يرتدي التي شيرت، ويركب المواصلات..!
للثورة أهدافها يا مولانا.. الثورة عقيدة وطريق ..التغيير الحقيقي يقتضيأن نمهد الطريق للشباب، وأن نكون على ثقة في البديل..لا مجال لجماعة (سيدي(ولا) أولاد سيدي) في الغد الرحيب ..ليس هناك أحدٌ من الكمال، بحيث يؤتَمن على حريات الآخرين.. ليس بوسع كائن من كان، إقناع أهل الدويم، مثلاً، بأن الحرب التي تدور في النيل الأزرق، لن تؤثر سلباً على إنتاج الجبنة البلدي، في النيل الأبيض..!
إن كانت قطوعات الكهرباء هي حصادنا من امبراطورية السدود، فلنخرج من هذه(العاهة) بحماية ما تبقى من آثارنا .. لم تعد نفخات الأصولية، ولا الخُدع الدينية، تقنع جيل الشباب.. تلك(وهْمَات) سالِفة يا مولانا.. حينما تتبدى ملامح التغيير في الأفق، لن يستطيع الباشبوزق فعل شيء.. جرح الأحزاب السياسية غائر، ولا ينفصل عن انشغال كوادرها بالهموم المعيشية.. الجماهير قد تنشغل بسؤال البديل، لكنها هي من يستولده ..الإنسداد كاد أن يكون فرقعة، ستخرج الجماهير، وستلهث الأحزاب كي نلحق بها ..قطرات السيل تتقاطر خلف الجسر ..وقفات الأطباء المتفرقة في بعض المدن.. حراك المطالب في بعض الأحياء.. عندما يكون التغيير حقيقة واقعة،، عندما تتجسد خطوطه العريضة فوق الأرض، يتكشف تعامل النظام مع الشارع.. ليس هناك بضاعة جماهيرية كاسدة.. كل هبة تفوح تغدو رصيداً ..الجماهير تصعد إلى قمة الجّبل، بقوة الدفع التلقائي.. موجة في إثر موجة، تصل الجماهير الى نقطة اللا عودة..لا سيناريو ثابِت ولا مسميات، ولا ألقاب ..الجرح الوطني ينظِّف نفسه من العقابيل التاريخية.. أسلم طرق التغيير هو الأطر التنظيمية الدقيقة الواعية.. الشباب يرمون بإشارات واضحة، يقولون: نحن هنا بصدورنا المفتوحة، فلا معارضة تساندنا، إلا من رحم ربي.. هناك استعداد شعبي كبير بعيداً عن التردد وهزال القيادات، ..النظام أفشلَ خطة الهبوط الناعم عندما أرادها وثبة من أجل تمكين جديد.. النظام فشل في استثمار حواره..! الصوملة أو البغددة،، السيناريو الليبي أو السوري، الذي يطفح في التحليلات الاستراتيجية، كل هذا مستبعد في الساحة السودانية.. المعارضة ستظل معارضة وطنية، مهما تعالى صوت اتهامها بعنصرية مضادة..
الإنقاذ لم تنجح، إلا عندما وجدت العون والمساعدة، ولكنه نجاح- إلى حين- الإنقاذ قطعت الطريق أمام نشوء قيادة حزبية واعية، تستطيع أن تقوم بعمل تنسيقي حقيقي بين أطراف المعارضة ..ليس هنالك تنسيق بين مكاتب الطلاب في الأحزاب السياسية المختلفة..لا توجد نقابات ولا اتحادات مهنية مؤهلة لدور الوسيط بين الشباب الناهض والشارع المتحفِّز.. هناك قيادات تخنق الحراك، وتحجب الرؤية.. هناك خمول للأحزاب جعل الشباب معزولاً، وبذلك يسهل اصطيادهم والإنفراد بهم.. لكن هذا ليس هو خاتمة المطاف..لابد أن يتخلق واقع جديد يملأ فراغ الوجوه الحزبية القديمة، والأيام حبلى بالمفاجآت .. بينما كان حاكم اثينا يمُر بالشوارع، كان الفيلسوف ديوجين، متكئاً على قارعة الطريق، ملتفاً على نفسه، يبحث عن الدفء.. وقف الحاكم بحاشيته قبالة شمس الصباح، وغطى بظلاله على الفيلسوف، ثم سأله: أطلب ما بدا لك.. ماذا تريد..؟
قال ديوجين : أريد منك أن تبتعد، فقد حجبت عني ضوء الشمس..!
ليس النظام وحده من يحجب الضوء والدفء، إنما يفعلها أيضاً، بعض عواجيز الأحزاب العاجزة، الخانعة الكسيحة..
اتركوا الأجيال تشكل واقعها، لتبني المستقبل.. أرفعوا أيديكم واتركوا الشباب يتشكل وينتظم ..ساعدوه قليلاً بالسُّكات، وبالنصيحة.. قولوا لهم: عليكم بالمؤسسية، بالعلم وبثقافة العصر.. هذا عصر التقنيات والتخصصات الدقيقة، لا عصر توريث المَخالي.. يا مولانا : (أطلع منّها)، بالله عليك..!