حيدر المكاشفي

ضربة دبل كيك على رأس المواطن


منذ أن قررت الحكومة قبل نحو ستة أعوام تغيير خطتها الجبائية المائية بعد فشل كل الخطط السابقة في تحقيق أعلى ربط ممكن، فعمدت إلى دمج فاتورتي الكهرباء والماء في فاتورة واحدة يدفعها المستهلك عند منافذ بيع الكهرباء، وآثرت أن تلعبها هذه المرة مع المستهلكين على طريقة (دبل كيك ( Double kick ، لعبة مزدوجة تصطاد بها عصفورين بحجر واحد، عصفور الكهرباء الذي أمسكت به تماماً منذ تاريخ إدخال (الجمرة الخبيثة)، ومن بعد أضافت إليه عصفور الماء بعد دمج الخدمتين في فاتورة واحدة، بحيث يتعذر على المستهلك الحصول على الكهرباء إن لم يدفع (حق) الماء، الآن وفوراً وإلا لفقد الخدمتين معاً وأصبح بيته مثل عش الصقور كما يقال (لا موية لا نور)، والحكومة بهذا الإجراء بدت وكأنها تلجأ لحيلة التاجر المشرف على الإفلاس، وهي كذلك بما واجهته سابقاً من ضوائق مالية وبما تواجهه حالياً وما ستواجهه مستقبلاً، ولهذا عكفت على مراجعة دفاترها القديمة و(فلفلتها) علها تجد فيها بعض المخارج، وكان أن وجدت أحدها في فاتورة الماء وستظل تراجع دفاترها القديمة والبقية لا محالة آتية..
صحيح أن إجراء دمج خدمتي الماء والكهرباء في فاتورة واحدة هو ترتيب معمول به في بعض بلدان محيطنا العربي القريب، وصحيح أيضاً أنه الإجراء الأكثر ناجزية وفعالية في تحصيل فاتورة الماء التي فشلت كل الطرائق والوسائل السابقة في تحسين مستوى التحصيل والارتفاع به إلى السقوفات التي تنال رضاء القائمين على أمر الخدمة، ولكن يبقى من العسير جداً الجمع بين خدمتين لم يجمع الله بينهما، فحين يقول الله سبحانه وتعالى «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، فذلك يعني أنه لا يمكن موازاتها أو مساواتها بأي خدمة أخرى، كما لا يفوت على (فطنة) الحكومة أيضاً أن الذي تسبب وسيتسبب في عثرها وتعسرها المالي هو بالضرورة على حال المواطنين أعثر وأعسر بالدرجة التي لا تمكن الشرائح الضعيفة منهم ـــــ وهي شرائح غالبة في المجتمع ـــــ من دفع الفاتورة المدمجة فيفقدون جرّاء ذلك الماء الذي لا غنى عنه قياساً بالكهرباء التي هي أصلاً لا تصل لقطاع واسع من أفراد الشعب السوداني، وما يؤلم حقاً أن هذه الضربة (الدبل كيك) رغم أنها وقعت برداً وسلاماً على الحكومة وملأت جيبها، إلا أنها للأسف وقعت على رأس المواطن الذي أصبح الآن مع قطوعات الكهرباء المتكررة والمزعجة لا يفقد الكهرباء وحدها بل ومعها الماء المتحالف معها في فاتورتها وتيارها أيضاً، ليعاني بذلك مرتين، مرة بسبب العطش والحسك والوسخ، وأخرى بسبب غليان نافوخه من الحر، غير الأضرار المادية والنفسية الأخرى، هذا الحال التعيس أقل ما يوجب فعله لتخفيفه هو فصل الماء عن الكهرباء، حتى إذا غابت الكهرباء كان الماء حاضراً.